حين ينحرف الأبناء وتتخبط بوصلة المسئولية فالخاسر هو المجتمع
من المسؤول عن انحراف ابني ؟ سؤال صادم يتفجر في نفوس الآباء والأمهات حين تخونهم الظروف وتضعهم أمام انحراف سلوكي لأحد أبنائهم في غفلة منهم! قد تطول صدمة الموقف، وتضيع بوصلة الملامة، حين تتقاذف كرة المسؤولية جهات عديدة ، كل منها يحاول أن يبرىء نفسه ويلقي باللائمة على الجهة الأخرى ولا من يعترف! تنمّر .. وعقوق تؤكد " أم عبد الرحمن " أنها قامت بواجبها كأم في تربية أبنائها على أسس الدين والقيم والمبادىء، لكن الظروف بدأت مؤخراً تعاندها، وتشككها فيما أضاعت عمرها من أجله ، فجأة أصبح الابن المراهق شاباً متنمراً عنيداً سليط اللسان لا يحترم أحداً، لا تنفع معه نصيحة ولا يردعه مبدأ، الدنيا في عينيها تصغر وتسوّد " من أين جاء بكل هذا العقوق وأنا التي ربيته صغيراً على الحب والأدب " ؟ إدمان .. وسرقة أما مأساة " أم محمد " مع ولدها المراهق فتتجاوز العقوق إلى الإدمان ، تقول أن الأمر بدأ بممارسته التدخين خلسة عنا ، وكانت الصحبة الفاسدة التي يجالسها خارج البيت وراء إمداده بالسجائر، ولم يتوقف الأمر عند هذا، بل تطور إلى تجربة بعض الممنوعات التي أدمنها فيما بعد، والتي كانت سبباً في اقدامه على بعض السرقات الصغيرة التي اندفع إليها لتأمين قيمة ما أدمنه. الوالدة وقفت عاجزة أمام انحراف ابنها وألقت اللائمة على رفقة السوء، وعلى الأب الغائب عن دوره وبيته . انحلال خُلقي نوع آخر من الانحراف شكّل كابوساً في حياة بيت " أم سعيد "، فولدها المراهق مدمن أفلام لاأخلاقية ، يتابعها عبر الانترنت والقنوات والأشرطة القذرة التي تروجها العمالة الوافدة. الأم في فزع من تطور الأمر وخروجه عن السيطرة، تخاف أن يتطور الأمر إلى الانحراف نحو الشذوذ، وتعلن عجزها أمام انفتاح التقنيات وتعسر ضبط ما تبثه من انحلال تملأ به أذهان أبنائنا، وتحريض سافر وشرس على الرذيلة ودخول العوالم الهامشية والسفلية التي تحول الكائن البشري الى حطام بائس. الأسرة.. ثم الأسرة يرمي الدكتور عبد الله محمد الصبي باللائمة الأولى على الأسرة تجاه انحرافات أبنائهم، فمن وجهة نظره ، كأب وكأمين عام لجمعية طب الأطفال في السعودية، يقول: إن ما قد يدعيه بعض الآباء من أن أبناءهم نشأوا عاقين منحرفين، على الرغم مما قاموا به من مسؤولية التربية والتأديب لهم، هي دعوى مرفوضة، لأن السبب يعود إلى الآباء والأمهات أنفسهم، إما لكونهم قدوة سيئة لأبنائهم، أو لعدم أخذهم بمنهج تربوي سليم، والقيام بأدوارهم في المتابعة والمراقبة . المناخ الأسري يعتبر في رأيه، من أهم العوامل المؤثرة في النمو النفسي والاجتماعي للطفل، حيث يسهل تحقيق النمو النفسي السوي للأطفال في الأسرة التي يتوافر فيها عوامل التفاعل الإيجابي بين الوالدين والطفل المتمثلة في سلوكيات ومشاعر الحب والمودة والعطاء والاستقرار، ولمنع حدوث المشاكل النفسية والاجتماعية يجب أن يتفهم الأب والأم أدوارهم ومسؤولياتهم في التربية لأبنائهم وذلك بالتوعية والتحذير والوعظ والتأديب بالترغيب، والمعاملة باللين والرحمة، والإرشاد للخطأ، والتوجيه والملاطفة، والإشارة والتوبيخ، وغيرها. ثم يستدرك د. الصبي ويضيف " لكن يحدث ، أحياناً ، أن يبذل المربي قصارى جهده، ويأخذ بمناهج التربية السليمة، ومع هذا ينشأ الولد على الشذوذ والانحراف، وفي هذا الحال يعذر المربي أمام الله لكونه أدى ما عليه من حقوق". المسؤولية مشتركة وعندما يبحث د. عبد الله الصبي عن الأسباب التي توصل إلى هذا النوع من الانحرافات ، يجد أن السبب الرئيسي هو ازدواجية المعايير لدى المجتمع ، ففي اللحظة التي نركز فيها على أداء الطفل الصلاة نتركه أمام قنوات التلفزيون والانترنت، نلزمه بالأوامر والنواهي ولا نعطيه المجال للترفيه في عدم وجود الأندية والنشاطات الرياضية، عندما يذهب كل يوم لمدرسته التي كتب على بابها – التربية والتعليم ، ونجد مخرجاتها تعليم ضعيف بدون تربية ، من هنا يمكننا القول أن مشاكل الطفولة وانحرافهم ليست مسئولية الأسرة لوحدها ، ولكن مسئولية المجتمع أيضاً ومؤسسات التربية والتعليم . ولا يبرئ د. الصبي العولمة من التأثير على أطفالنا فهم ، حسب قوله ، ليسوا بمنأى عن التأثيرات السلبية للثقافات الواردة التي أصبحت في ظل ظاهرة العولمة خطراً حقيقياً يتهدد المجتمعات التي لا تمتلك حصانات ذاتية وليست لديها القدرة الكافية لهضم مستجدات العولمة، والعولمة في حد ذاتها ليست شراً كلها إذا أعددنا أنفسنا، ووفرنا لمجتمعنا وبخاصة الأطفال ما يمكنهم من التعامل الإيجابي مع العولمة التي تضع البشرية أمام خيارات " إما الاندماج الواعي، أو الانجراف مع تيار العولمة، أو الانعزال والانغلاق على الذات " . إذاً: هل المشكلة مشكلة مجتمع أم مشكلة ناشىء انحرف ؟ يؤكد د. الصبي أن تفشي الأمية الثقافية، وسيادة الثقافة السطحية والقيم الاستهلاكية، هي المشكلة الرئيسة التي يواجهها المجتمع، والتي تؤدي لعدم مسايرة السياسات التعليمية والثقافية لحاجات المجتمع وتطورات العصر، عندما يكون عملنا وتخطيطنا للمستقبل هو ردة فعل وليس الفعل، عندما يكون بناؤنا للمستقبل من خلال قراءة الماضي، عندما نربي أبناءنا على أن تكسير الأنظمة والقوانين هو القاعدة، أن تكون الواسطة هي الطريق الوحيد في الحياة، أن تكون القبلية والمناطقية رمزاً يحتذى به، جميعها تؤدي للذاتية والابتعاد عن العمل الجماعي، مما يستلزم تغييراً جذرياً في أدوار ومهام كل من الأسرة والمدرسة والمؤسسات.