النظريات المعرفية:
تؤكد هذه النظريات دور العمليات العقلية الداخلية ودور السلوك الخارجي. وتهدف إلى تفسير ثلاثة جوانب للتعلّم:
1-كيف تؤسس المعرفة.
2-كيف تصبح المعرفة أوتوماتيكية أو تلقائية.
3- كيف تمتزج المعرفة الجديدة وتدخل في نظام التعلّم المعرفي. رود ألسEllis,1998)):
والنظريات المعرفية كانت نتيجة إجراء بحوثٍ مكثفةٍ حول الأثر الذي تتركه العمليات العقلية في التعلّم. وهذه خلاصة البحوث التي تمّ التوصّل إليها:
1- تزودنا النظريات المعرفية بمعلوماتٍ ملائمةٍ حول كيفية ضبط المتعلم في تحصيل اللغة الثانية واكتسابها. فالتدريب الحرّ يجعلنا قادرين على ضبط عملية التعلم، حتى تصبح أوتوماتيكية أو آلية، كذلك يحتاج المتعلم إلى فرصةٍ مناسبة، وذلك لتفعيل الإستراتيجيات من أجل تحصيل المعرفة.
2- تزودنا ببعض الرؤى حول كيفية إعادة بناء المتعلمين في اكتساب اللغة الثانية، من أجل جعلها قابلة للاستعمال في واجباتٍ متعددةٍ.
3-النظريات المعرفية غير قادرةٍ على تفسير تتابع الاكتساب للبنى النحويّة.
4- النظريات المعرفية غير قادرةٍ على تفسير الدور الذي تلعبه المعرفة الواضحة وكذلك لا تستطيع تفسير كيفية اكتساب اللغة الثانية عن طريق التعليم الرسمي.
وتعتبر هذه النظرية الأساس لأكثر طرائق التدريس الحالية، كونها انبثقت من بحوث وتجارب علم نفس اللغة "Psycholinguistics".
يرى ديفيد كرستال((David Crystal, 1998 أن الخيار الرئيسي ذا الأهمية هو اكتساب اللغة، ويجب أن ينظر إليه ضمن تطور الطفل العقلي. فالبنى اللغوية تنشأ فقط إذا كانت هناك قاعدة معرفية. فعلى سبيل المثال، قبل أن يستعمل الأطفال تركيب المقارنة " هذه السيارة أكبر من تلك السيارة"، يجب أن يطوّروا مفاهيمهم عن الحجم حتى يستطيعوا إعطاء حكم معقول.
وقد توصل العديد من علماء اللغة إلى أنّ هناك نوعاً من العلاقة موجوداً، ولكن الأكثر تأثيراً وأهمية ينشأ من أنموذج تطوير المعرفة المقترح من قبل جين بياجيه(Jean Piaget). إن عناصر المعرفة لدى بياجيه هي: الشخص ونشاطه أولاً، ثم الإثارات المحتملة من المحيط، وأخيراً آليات التفاعل بين هذا الشخص ومحيطه.(Sam Ammar,2002).
وعلى الرغم من أن نظرية بياجيه من أعظم نظريات المعرفة التي حاولت تفسير النمو المعرفي عند الأطفال، إلا أن هناك عدداً من الجوانب التي اتجهت نحوها انتقادات العلماء والباحثين. يقول بعض الباحثين: إن نظرية بياجيه قللت من قيمة القدرات العقلية لأطفال مرحلة ما قبل المدرسة وبالغت في الوقت نفسه في عمليات التفكير المجردة للمراهقين والبالغين. وقد تكون الطريقة الإكلينيكية التي اتبعتها وراء ذلك.((Abo Jado, 1998.
وهناك خلاف بين نظريتي بياجيه وتشومسكي، ومرد هذا الاختلاف يرجع إلى تصور طبيعة بنى المعرفة لا إلى وظيفتها. يرى تشومسكي أن هناك بنى خاصة بالاكتسابات اللغوية، وفطريتها مرتبطة بالطابع الفريد للغة البشرية. أما بياجيه فيرى أن بنى المعرفة عامة، وأنها تجد أساسها في بنى بيولوجية، ولكن لا توجد وراثياً. إنها بنية مخصصة لاكتساب الوظيفة البشرية النوعية التي هي اللغة Sam Ammar,2002)).
إن بياجيه يرفض مبادئ النظرية الفطرية وكذلك يرفض نظرية التعلم والاكتساب القائمة على التقليد. فاللغة بالأساس عند بياجيه هي عمل إبداعي، أما التقليد فله دور هامشي في اكتسابها. كما أن هناك خلافاً جوهرياً بين السلوكيين والمعرفيين حول دور العقل في اكتساب اللغة. فالمعرفيون يرفضون الرأي القائل بأن التعلم يحدث نتيجة لمؤثرات خارجية فقط، ويرفضون كذلك فكرة أن عقل الطفل صفحة بيضاء تؤثر فيها البيئة. أما المعرفيون فيرون أن اكتساب اللغة يتم بمهارات عقلية معقدة مرتبطة بكل من المؤثرات الخارجية. أما السلوكيون فيرون أن اكتساب اللغة يتم من خلال مهارات عقلية معقدة مرتبطة بكل من الذاكرة قصيرة الأمد "Short-Term Memory"، والذاكرة طويلة الأمد " Long-Term memory"Osaily,2003) )
وأجريت العديد من الدراسات لملاحظة العلاقة بين مراحل التطور المعرفي المقترحة من قبل بياجيه وبين المهارات اللغوية. وخلصت الدراسات إلى وجود علاقة عندما يكون عمر الطفل حوالي(18)شهراً. وعلى أي حالٍ من الصعب أن تظهر علاقة دقيقة بين سلوك معرفي محدد والعناصر اللغوية في هذه السن المبكرة. إن هذه القضية مثيرة للجدل وتزداد تعقيداً وخاصة كلما تقدم الأطفال معرفياً ولغوياً.
ومن وجهة نظر بياجيه فإن هناك وظيفتين أساسيتين للتفكير ثابتتين لا تتغيران مع تقدم العمر. وهما التنظيم (Organization) والتكيف. ((Adaptation. وتمثل وظيفة التنظيم نزعة الفرد إلى ترتيب وتنسيق العمليات العقلية، أما وظيفة التكيف فتمثل نزعة الفرد إلى التلاؤم والتآلف مع البيئة التي يعيش فيهاToug and Adas,1984) ).
ومن بعض المبادئ التربوية المستمدة من نظرية جين بياجيه ما يأتي:
1-ضرورة الاستفادة من أخطاء الطلاب في بناء مواقف تعلّميةٍ –تعليمية، نتجاوز بوساطتها جوانب الضعف في أدائهم.
2-إتاحة فرصة التفاعل بين الطفل وبيئته الطبيعية أو الاجتماعية يساعد كثيراً في تطوره المعرفي.
3-يجب علينا ألاَّ نصنف إجابات الأطفال عن أسئلتنا إلى إجابات صحيحة وإجابات خاطئة، لأن كثيراً مما نعتقده إجابات خاطئة، يعتبر صحيحاً بالإشارة إلى الإطار المرجعي لتفكير الأطفال.
4-يجب ألا نواجه الطفل بمشكلات تتطلب عمليات عقلية عليا تتفوق كثيراً على مرحلة تطوره المعرفي، كما يجب أن نوفر له الفرصة لممارسة النشاطات التي يؤهله نموه المعرفي لممارستها.
5-ضرورة بناء مواقف تربوية تتسم بالتحدي المعقول لقدرات الأطفال المعرفية، بحيث لا تصل مواقف التحدي هذه إلى درجة تعجيز الطلبة، وشعورهم بالتالي بالإحباط والفشل.
6-إن الطفل لا يفكر بالمستوى نفسه أمام جميع المواقف.
7-يلعب التفاعل مع الآخرين دوراً تعليمياً وتعلمياً بارزاً في المجال المعرفي الوجداني الاجتماعي.((Abo Jado,p.93-94.
وأجرى دريك بكرتن(Bickerton,1981) دراسة مهمة حول اللغات وخلص إلى أنّ هناك مجموعة من اللغات تربط فيما بينها أنماط لغوية وتطور معرفي، حيث افترض أن البشر هم" مبرمجون بيولوجياً" لاجتياز مرحلةٍ تلو الأخرى.
لم تتوقف الدراسات حول كيفية تعلم الطفل اللغة، وأجريت أبحاثٌ هائلة من قبل جميع أصحاب النظريات وأتباعهم. ففي مجال علم نفس اللغة قام روجر براون Roger Brown)) من جامعة هارفرد ودان سلوبن (Dan Slobin) من جامعة بيركلي بملاحظة سلوك الأطفال أثناء تعلمهم اللغة الأولى. وكان همهم البحث عن مدى صحة دليل تشومسكي "البناء العقلي" (Mental Structure) ومدى اتساقه في السلوك اللفظي في لغة المتعلمين.
ولقد تابعا حالة طفلين أحدهما عمره سنتان والآخر عمره ثلاث سنوات، وأبواهما حولهما وذلك لعدة سنوات، مستعملين أجهزة التسجيل، ليلمسا التعبيرات في المواقف المختلفة.
وجد عالما النفس اللغوي دليلاً قوياً، وهو أن بعض سلوك التعلم عام لدى جميع الأطفال بغض النظر عن اللغة التي يتعلمونها. وكانت هذه بداية جيدة لتأسيس وتطوير علم النفس اللغوي. ومعنى ذلك أنّ الأطفال الذين يتعلمون لغتهم أثناء طفولتهم، يستعملون أنواع البناء اللفظي نفسه، ويرتكبون الأخطاء نفسها، ولكن كل طفل بلغته.
وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان إذ إن أي طفل في العالم يبدأ التفاعل والتناغم مع لغته " لغة الأم" إذ هي التي تبدأ تلقينه اللغة.
أُنموذج بيالستوك(Bialystok):
يعتبر بيالستوك من أشهر من فعّلوا النظرية المعرفية في تدريس اللغة الثانية (Biolytic, 1979, 1981, 1982, 1983, 1988, Bialystock and Sherwood smith, 1985).
ولقد تغيرت نظريتها مع الأيام مرات عديدة، مع تغير مصطلحاتها في آن واحد. إلا أن مبناها الأساسي لم يتغير. ترى بيالستوك ما يراه غيرها من العلماء مؤيدي هذه النظرية الذين تعرضوا إلى تعلم اللغة الثانية، فهي تؤكد بكل صراحة المبدأ الذي يقوم على أساس أن اللغة يجري تعامل العقل البشري معها بالطريقة نفسها التي يتعامل بها مع بقية المعلومات. والكفاية اللغوية يمكن تقديرها ببعدين: الأول البعد التحليلي(Analytical)، والثاني البعد الآلي (Automatically). Bialystok,1988:32) ).
نظرية كراشن:
إن نظرية كراشن(krashen,1987) في اكتساب اللغة الثانية قائمة على خمس فرضيات:
1- فرضية الاكتساب والتعلم A-The Acquisition-Learning hypothesis,
2- فرضية المراقبة B-The Monitor hypothesis,
3- فرضية الرتبة الوظيفية C-The Natural Order hypothesis,
4- فرضية المدخلات D-The Input hypothesis
5- فرضية الراشح الانفعالي E- And the Affective Filter hypothesis
يرى كراشن أن هناك ثلاثة عوامل توضح كيف يتعلم الناس اللغة الثانية؛ عاملان من خارج نطاق الوعي، وهو ما نطلق عليه المصفي أو الرّاشح (Filter) والثاني المنظّم((Organizer والثالث ضمن نطاق الوعي ويسمّى الموجّه (Monitor) (Dulay,Burt,and Krashen,1982).
أ-فرضية الأُنموذج المراقبأو الموجه(Monitor Model):
هذه الفرضية ترينا العلاقة المتبادلة بين الاكتساب والتعلّم. وترى بأنننا في طلاقتنا في إنجاز اللغة الثانية مدينون إلى ما اكتسبناه وليس إلى ما تعلمناه. إنّ التعلم موجودٌ كموجهٍ أو مرشد، ونلقن النطق عن طريق مقدرتنا المكتسبة، ثم نعود إلى قوانين الإدراك فيما بعد، ونستعمل الإدراك لتصحيح المخرجات من النظام المكتسب. وهذا يحدث قبل أن نتكلّم أو نكتب، أو من الممكن أن يحدث فيما بعد، وهو ما يطلق عليه مصطلح التصحيح الذاتي((Self-correction. أما مهمة المراقب اللغوي الرئيسة فتتلخص في تنظيم التعلّم وتقويمه بصورةٍ شعوريةٍ في المراحل المتقدمة من تعلّم اللغة الثانية . أما مدى استخدام التوجيه والإرشاد (Monitor) فيعتمد على الأمور الآتية:
1-عمر المتعلم.
2- كمية التعليمات الرسمية التي خبرها المتعلم.
3- الطبيعة والتركيز المطلوب عن طريق الأداء الشفوي الذي تم إنجازه.
4-شخصية المتعلم المتفردة. دوليه (Dulay,p.59)
وهذا ما يشار إليه " بالفروق الفردية" بين المتعلمين.
وقد أثبت حديثاً أنّ هناك ثلاث حالاتٍ ضرورية لنجاح المرشد والموجه "Monitor" وهي:-
الحالة الأولى: نحن بحاجة إلى وقتٍ للتعرف على القواعد ووضعها في حيّز التطبيق.
الحالة الثانية: نحن بحاجةٍ إلى التركيز على الأسلوب أو التفكير الصحيح.
الحالة الثالثة: نحن بحاجة لمعرفة القوانين. (بيرت ودوليه)Burt&Dulay,1978))
ب-فرضية المدخلات(Input Hypothesis):
يرى كراشن(Krashen,1976) أنّ المدخلات(Input) يجب أن تكون ذات معنىً وملائمة لحاجات التلاميذ ليُصار إلى فهمها وإدراكها. وهذه الفرضية تحاول أن تجيب عن سؤال مهم هو كيف نكتسب اللغة؟ وليس بمقدورنا أن نكتسب اللغة إذا لم نفهم المعنى المتضمّن في المدخلات، والمدخلات إذا لم تكن واضحة فهي خلط وإرباك. وتدخل في ذلك تطبيقات كثيرة، فمثلاً نستطيع أن نطلب من التلاميذ المبتدئين أن يمضوا بعض الوقت في مشاهدة التلفاز باللغة المستهدفة أو أن يستمعوا للمحادثة والتي يمكن أن تكون أعلى من مستوى فهمهم، ويمكن أن يستفيدوا من ذلك قليلاً.إن العالم خارج الفصل لا يستطيع أن يقدّم الأفضل، لذلك يفضل في البداية الانتظام في فصولٍ ولا سيما كبار السن لأن ذلك أفضل لاكتساب اللغة. وأكدَّ كراشن (Krashen,1985) أهمية تبسيط المعلم للمدخلات، لإمكانية تيسيرها وفهمها.
وناقش كل من تارون وليو((Tarone and Liu,1995 بموجب المعلومات التي توافرت لديهما بدراسة أجرياها ضمن ثلاثة مواقف، بأن تفاعل الدارس في مواقف متعددة يؤثر في عملية اكتسابه اللغة وسرعتها، ولكن بطرق ودرجات متفاوتة. بمعنى آخر "إن المدخلات وحدها غير كافية لاكتساب اللغة، لأن أي فرد عندما يستمع إلى اللغة، بإمكانه أن يفسر المعاني دون أن يفكر في قواعدها. فعلى سبيل المثال: إذا سمع أحد كلمة كلب ويعض وبنت، بغض النظر عن ترتيبها، فعلى الأرجح أن المعنى عض الكلب البنت. والأمر ليس كذلك في حالة المخرجاتOutput)) وذلك لأن الفرد مجبر على أن يضع الكلمات على الترتيب. لأن استخدام اللغة يجبر الدارس أن يتحرك من عملية دلالات الألفاظ إلى تركيب الجملة" ((Swain,1985. وباختصار يمكننا القول بأن المدخلات (Input) تتعلق بكيفية اكتساب اللغة الثانية، وليس في عملية تعلمها.
ويؤكد واجنر وقوف وهاش( (Wagner,Gough& Hatch,1975 ذلك بقولهم: "إن العالم الخارجي عاجزٌ عن تقديم مدخلاتٍ مفهومةٍ للبالغين في اكتساب اللغة الثانية بينما في الفصل يستطيع أن يقدم أفضل ". ومن المميزات الأخرى للمدخلات الجيدة، أن تكون ملائمة وذات معنى. إنه ليس من السهل في الوقت الحاضر أن يتبع الإنسان طريقة أو أن يتبنَّى نظرية من هذه النظريات، لأن النتائج التي تمّ التَّوصُّل إليها رغم إيجابية بعضها فهي لا تعطي حلاً شاملاً حول قضية " اكتساب اللغة". ومع ازدياد التجارب واستمرارها، وتدفق المعلومات وتحليلها، ، لم يتم التوصّل بعد إلى حقائق مؤكدة تغطي ما يرغب الإنسان في فهمه ومعرفته حول الأطفال، إننا بحاجةٍ إلى دراسات أكثر في المستقبل".
ويعتبر كراشن من أكثر المتحمسين والمؤيدين لأولوية المدخلات(Input) في اكتساب اللغة الثانية. ويؤيده كثيرون، منهم على سبيل المثال: بروفت ولارسن –فريمان ولونج، يرى بروفت (Brufit,1994) و(Larsen-Freeman&Long,1991):"أن المدخلات المكثفة ضرورية للنجاح في اكتساب اللغة الثانية. ولكن بشرط تبسيط هذه المدخلات حتى يتم استعمالها بفاعليةٍ من قبل المتعلّم، ليتحقق له اكتساب اللغة وإتقانها".
وفرّق كراشن(Krashen,1981 ) بين الاكتساب وعمليات التعلّم، فالأول يتعلّق بالفهم والتواصل أما الآخر فهو الوعي الموجه لاستعمال اللغة. وناقش كراشن أن عملية الاكتساب أكثر أهميّة من عملية التعلّم، ويجب أن تشجّع بالأَنشطة التي تمارس المحادثة لا تمارين القواعد النحوية أو المفردات. وهناك العديد من الباحثين في مجال اللغة يؤكدون تبادل العلاقات عن طريق مهارات اللغة الأربع:- الاستماع والتحدث والقراءة وعمليات الكتابة. كوهين(Cohen,1995).
ولكراشن كتابٌ عنوانه فرضية المدخلات: " Input Hypothesis " وعلّق سكوفل(Scovel,2001) على الكتاب بالقول:" إنّ هذا العنوان غير مناسب".
ويقرّر كراشن أنّ مستوى الصعوبة في مدخلات اكتساب اللغة الثانية، يجب أن يكون أعلى بقليل من مستوى المتعلّم وقدرته الاستيعابية للغة الثانية. وقد رمز لها بالمعادلة الآتية: i+I
أي إنّ المتعلّم يتحسّن باستمرار لأنّه يعطي اهتماماً للفروق بين المدخلات التي يفهمها (i) والفروق الأعلى مستوىً نسبياً في المدخلات التي يحصلّها (+I). وقد انتقد هذه النظرية كثيرون، وخلصوا إلى أنّ المزعج في الأمر أنّ كراشن قدّم هذه المعادلة، من دون أن يشرح بوضوح كيف تكون المدخلات ملائمة لتعلّم اللغة (Scovel, p85).
وقد رفض كلُّ من قاص وسيلنكر (Gass and Selinker,P.215) قول كراشن بأن المدخلات الكثيفة هي العامل الوحيد المؤدي إلى اكتساب اللغة الثانية. ويريان أن هناك خمس مراحل ضرورية للطريقة التي يتم بوساطتها تحويل المدخلات إلى مخرجات: 1- مدخلات مترابطة. 2- مدخلات مفهومة.3- موصل لهذه المدخلات.4- التكامل.5- المخرجات.
ج- الراشح الانفعالي(Affective Filter):
تجسّد هذه الفرضية وجهة نظر كراشن بأنّ هناك عدداً من المتغيّرات الانفعالية، تلعب دور الميسر لا السبب في عملية اكتساب اللغة، وهذه المتغيرات تشمل: الدافع، الثقة بالنفس، القلق. كراشن (Krashen, 1988).
ويعتبر كراشن (Krashen,1982) أن جميع مدخلات اكتساب اللغة الثانية تمر بوساطة مصفاةٍ يطلق عليها اسم الراشح الانفعالي (Affective Filter) وهو يستطيع أن يقلّص تدفق مدخلات اللغة إلى المتعلم، وذلك تبعاً لحالة القلق " Anxiety" التي تساوره. أي أنه كلما زاد القلق لدى المتعلّم قلّ لديه اكتساب اللغة، وكلما قلّ القلق ازداد تدفق اللغة الثانية واكتسابها، سواء أكان هذا القلق ناتجاً عن ظروفٍ شخصيّةٍ أو صفّيّةٍ.
لذلك فإن الرّاشح الانفعالي يعيق تعلم اللغة عندما يكون نشيطاً، أي عندما يكون الدارس في وضع انفعاليٍّ سيئ كالقلق والخوف، وانعدام الحافز والدافعية، والتهيّب وعدم الثقة بالنفس. وهذه الأوضاع العاطفية السلبية ترفع مستوى الراشح الانفعالي، وتقوي سماكته، فيعمل سداً يمنع وصول الدخل اللغوي إلى الدماغ. (AL-Abdan&Darweesh,1997).
ويرى الباحث أن تخفيف حدة هذا الدافع يعود إلى المدرس وما لديه من قدرات على تهوين هذا الأمر وتبسيطه لدى الدارس. ولقد ثبت أن العاطفة مصدر رئيسي للتعلم، والتعلم الجيد لا يستبعد العواطف عن عملية التعليم. ويرى بيرت الحائز على جائزة علماء الأعصاب، أنه عندما يفسح المجال للتعبير عن العواطف فإن أجهزة الجسم كلها تتحد، وعندما تكبت العواطف فإن شبكة الطرق السريعة في الدماغ تغلق، موقفةً بذلك سيلاً من المواد الكيماوية الإيجابية مثل السيروتونين والدوبامين التي هي جزءٌ من نظام المكافآت الداخلي الذي يعيق كثيراً من الأعمال البيولوجية والسلوكية في الجسم.((Pert,1997
إن الأبحاث الميدانية في أواخر القرن الماضي، بدأت تُظْهِرُ نتائج مخالفة للتوجهات السابقة. ففي رأي لي دوكس((Doux,1994 أن العواطف تثير الانتباه وتصنع المعنى، وأن لها مساراتها الخاصة في الدماغ. وأما كاغانKagan,1994,39)) فيرى أن الاعتماد على المنطق وحده من دون أخذ العواطف بعين الاعتبار قد يؤدي بمعظم الناس إلى القيام بأعمالٍ سخيفةٍ أو مربكة. إنه لا يوجد فصل بين العواطف والعقل، فالمنطق يمكن أن يساعدنا في تحقيق الهدف. ولكن الذي يوجه القوى ويسوق الجسم بإمكاناته لتحقيق ذلك الهدف هو العواطف والمشاعر. جانسن(Jansen, 1999,P.72)
ويقف سكوفل(Scovel,1978) في الصفّ المعارض لكراشن فيقول: "القلق كعدوّ لاكتساب اللغة أمرٌ غير معقول وغير دقيق ولا يمكن تبريره". ويشاركه علماءُ آخرون في وجهة نظره، ونصحوا بإعادة دراسته دراسةً موسّعةً. ومن هؤلاء العلماء إهرمان(Ehrman,1996 ).
ويرى الباحث أن الإنسان: جسم، وعقل، وروح. وأن على المربي أن يعالج هذه الجوانب مجتمعة ولا ينظر إلى كل واحدةٍ منها على حدة. وأن ترسيخ الإيمان عند الدارس كفيل وحده بالتغلب على القلق إذ إنّ القلق ينافي الإيمان والتوكل.
د- فرضية الاكتساب- التعلم: ( The Acquisition-Learning hypothesis )
إن هذه الفرضية من أهم فرضيات كراشن وأكثرها تأثيراً في نظريته، وأوسعها انتشاراً بين اللغويين ومتدربي اللغة. ويرى كراشن أن هناك نظامين مستقلين بخصوص اكتساب اللغة الثانية: النظام المكتسب ونظام التعلم. إن النظام المكتسب أو " الاكتساب "، هو نتاج ما وراء الوعي، وهو كثير الشبه بعملية اكتساب الأطفال لغتهم الأولى. والتي تتطلّب تفاعلاً ذا مغزى باللغة الأم بالتخاطب المنساب طبيعياً، حيث يركّز المتكلِّمون على التواصل لا على شكل النطق. أما بالنسبة لنظام " التعلّم " فهو نتاج التعليم الرسمي. ويجري ضمن نطاق الوعي، ونتيجته تتعلق بمعرفة اللغة والوعي بها، كمعرفة قواعد اللغة على سبيل المثال.
وبالنسبة لكراشن فـ " التعلّم " أقلّ أهميةً من الاكتساب " ((Schutz,2002.