عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-20-2009, 08:45 PM
الصورة الرمزية عبقرينو
عبقرينو عبقرينو غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 456
افتراضي تعريف التراث :

 

تعريف التراث :
التراث بشكل عام ، يعد مصدر ثراء حضاري وأهم رافد من روافد ثقافة الأمم . إنه خلاصة الجماعات وحصيلة خبراتهم وتجاربهم . إنه انعكاس للعمل البشري وصورة للنشاط الإنساني في ميادين الفكر والعلم والآداب والفنون ،وصورة للحياة في تعدد مرافقها وتنوع مجالاتها . (1)
وعلى هذا الأساس ، فإن التراث فضلاً عن كونه مجموعة من الآثار المادية والفكرية التي خلفها أسلافنا ومختلف ما توصل إليه نشاطهم الإبداعي ، فهو وربما قبل هذا وذاك ، أسلوبهم في الحياة وأنماط معيشتهم بما تتضمنه من قيم وعادات و آمال والتي تشكل روح الجماعة وماهيتها وهويتها.
\" إن التراث سنة الآباء ، كما يرى محمد أركون ، و إطار من الأحكام والشرائع ومعلومات تجريبية شعبية ، ومجموعات أدبية فكرية علمية مكتوبة ، خاصة بالطبقات المدنية العالمة ، تختلف عن التراث الشعبي الشفوي .والتراث أخيرا تصورات للماضي مبررة لما تحلم به الجماهير لحاضرها ومستقبلها \". (محمد أركون – مركز دراسات الوحدة العربية – ندوة \"التراث وتحديات العصر في الوطن العربي\". الطبعة الأولى، بيروت 1985ص14 ).
أما علي عبد الله الخليفة ، فيرى أن المأثورات الشعبية العربية هي كل ما صدر عن الشعب العربي بجميع فئاته وطبقاته من إبداع . ومن شعائر وطقوس ومراسم ومعتقدات وما صدر عنه من عادات وتقاليد . كلها تشكل ثقافة عقلية ومادية خاصة تمثل روحه وحكمته و إبداعاته المختلفة على مر الزمان ، مثل - اللغة – الموسيقى – الأشعار – الأهازيج – الأزجال – الرقص - الحكايات – السير- الملاحم – الأغاني - الأمثال – الأزياء – الحلي – الطب – الصناعات- الحرف – العادات والتقاليد وغيرها مما عبر عنه الحس ، وتفاعل بالتبادل والتداخل والالتحام – و الاحتكاك – و الصراع مع الثقافات المجاورة ، وتواتر عبر الأجيال حتى وصل إلينا \".
كما أن التراث يمكن أن يصير مصدر إلهام بالنسبة لعلماء النفس ففي دراسة لها تحت عنوان : \" مفهوم الموروث الشعبي وعلاقته بالعمق النفسي والاجتماعي والبيئي\" ، تقول موزة عبيد غباش ( أستاذة علم الاجتماع بجامعة الإمارات ورئيسة جماعة الدراسات الشعبية ):
\" ليس جديداً أن نتحدث عن الموروث الشعبي فلقد سبق لنا وقدمنا أربع دراسات في هذا المجال , إنما المستجد علينا هو الذهاب إلى الأعماق النفسية للإنسان الممارس لهذا الموروث , فربما نستطيع اكتشاف العلاقة الوطيدة بين التركيبة النفسية للإنسان في مجتمعنا وما هي محتوياتها , وإلى أي درجة يمثل الموروث الشعبي جزءاً منها , وبالتالي إلى أي درجة يمكن أن يكون هذا الموروث بناءً خاصاً بشخصية الإنسان الخليجي فالكشف عن هذه العلاقة النفسية بين الميراث الشعبي و الإنسان ، هو كشف عن شخصية هذا الإنسان . وربما تكون هي هذه الإضافة العلمية التي تقدمها هذه الدراسة \".
كذلك يمكن استقراء التراث للكشف عن العلاقة الاجتماعية بين الموروث الشعبي والإنسان ، أو بمعني آخر ،الأبعاد الاجتماعية للموروثات الشعبية بجميع أنواعها ... إن الموروث الشعبي بجميع أشكاله وعناصره يمثل التكوين الثقافي للمجتمع، كما تمثل النظم و المؤسسات التكوين الاجتماعي لنفس المجتمع.


والسؤال هو ماذا يمكن أن يقدم الموروث الشعبي للمجتمع بجميع أنظمته ؟ سواء كان النظام الاجتماعي هو الأسرة أو القبيلة أو نظام الزواج والعلاقات الاجتماعية وغيرها من عناصر البنية الاجتماعية .
وتعتقد غباش أن هذا الإلحاح على الاهتمام بالتراث ، يعود إلى أننا نعيش مرحلة الخوف من اندثار الموروث، وضياع الهوية ، وغلبة الروافد من الثقافات .\"إننا في مرحلة الضياع ، فهل لا يستحق ذلك مشروعية جمع شتاتنا الثقافي الذي يواجه اليوم أعاصير التغيير ورياحه ؟ \".
وربما تكون هذه الرغبة هي نفسها وراء هذا الاهتمام بالدراسات التراثية ، وهذه الصحوة العلمية التي بدأت منذ السبعينات وتضاعف إنتاجها العلمي خلال الثمانينات ، وها نحن معكم نستكمل هذه الجهود في التسعينات.( موزة عبيد غباش ).

التراث وإشكالية الأصالة والمعاصرة :
هذا وحتى تكتمل الصورة و يتضح تعريفنا للتراث ولتراثنا الإسلامي بصفة خاصة و نتبين معالمه في إطار ما يسمى بإشكالية الأصالة والمعاصرة وإشكالية الحداثة، لابد من تسجيل جملة من الحقائق الهامة .
تكمن الحقيقة الأولى في كون \" الحياة المعاصرة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وبكلمة واحدة الحضارة الراهنة، تختلف اختلافا جذريا عن نمط حياة السلف، وبالتالي فالاحتكام إلى \"الأشباه والنظائر\" لا يكفي، بل ربما لا يجدي،كما يعتقد محمد عابد الجابري ، لأن معظم معطيات الحضارة المعاصرة لا أشباه لها ولا نظائر في الماضي» (محمد عابد الجابري : \"التراث والحداثة\" ، 1991. ص.11). وعلى الرغم من ذلك و بدل إتباع الحل الراديكالي الذي يدعو إلى القطيعة مع التراث، فإننا ندعوا مع الجابري، إلى \"إعادة تأصيل\" التراث، لا \"الرجوع إلى الأصول\" وإنما \"إعادة تأصيلها بفكر متفتح\" ، \"إعادة تأصيل الأصول\" بوفق \"شروط عصرنا\" ومن موقع \"الفاعل\" وليس من موقع \"المنفعل الهارب\" ،إذ ما هي الثقافة العربية و الإسلامية المعاصرة إن لم تكن هي التراث نفسه؟ فإن حاولنا نزع من الثقافة العربية الإسلامية التراث لن نظفر بشيء . إننا إذا ما حاولنا سحب التراث ووضعه جانبا، فإنه لا ولن يبقى هناك شيء يسمى الثقافة العربية -الإسلامية.
إن الثقافة، أيا كانت عربية إسلامية أو غيرها ، لا يمكن أن تتجدد إلا من داخلها،وذلك على الرغم من أن التجديد الثقافي يقع بتأثير عوامل خارجية. إلا أنه ليس من شأن التأثيرات الخارجية أن تنشئ ثقافة أصيلة حقة. وإذا ساعدت التأثيرات الخارجية فإنها قد تساعد في \"تجديد\" ثقافتنا ونظرتنا إلى تراثنا فحسب لا غير.
والحاصل مما تقدم، أن مسألة الثقافة ، هي مسالة التراث، لذا فإن : «تجديد الفكر لا يمكن أن يتم إلا من داخل الثقافة التي ينتمي إليها، إذا هو أراد الارتباط بهذه الثقافة والعمل على خدمتها. وعندما يتعلق الأمر بفكر شعب أو أمة فإن عملية التجديد لا يمكن أن تتم إلا بالحفر داخل ثقافة هذه الأمة، إلا بالتعامل العقلاني النقدي مع ماضيها وحاضرها».
إن النهضة العربية المعاصرة لا يمكن لها أن تستقيم إلا وهي ناهضة على التراث: «إننا سنبقى نتحرك داخل تراثنا بوصفه تراثا. وأعتقد أن شيئا من \"النفي\" أو \"الغربة\" لن يترتب عن ذلك (...)» (محمد عابد الجابري : \"العقل الأخلاقي العربي \". ص28) .
إن «النهضة لا تنطلق من فراغ بل لا بد فيها من الانتظام في تراث. والشعوب لا تحقق نهضتها بالانتظام في تراث غيرها بل بالانتظام في تراثها هي. تراث \"الغير\" صانع الحضارة الحديثة، تراث ماضيه وحاضره، ضروري لنا فعلا... إن من الشروط الضرورية لنهضتنا تحديث فكرنا وتجديد أدوات تفكيرنا وصولا إلى تشييد ثقافة عربية معاصرة وأصيلة معا». وبهذا فإنه «ما لم نؤسس ماضينا تأسيسا عقلانيا فلن نستطيع أن نؤسس حاضرا ولا مستقبلا بصورة معقولة». ( التراث والحداثة ص 33).

التراث بين الايجابي والسلبي :
الحقيقة الثالثة هي أن أي تعريف للتراث وأي تحديد لطبيعته ومغزاه ، لابد وأن يتضمن مفهوم \" الذات \" ومفهوم \" تكوين الهوية \" . وهما مفهومان جوهريان في تشكيل الشخصية السوية وتطوير الكفاءات الذاتية ، يعتمدان في جانب كبير منهما على أحد أبعاد الزمان الأساسية وهو بعد الماضي ( الماضي الفردي والماضي المجتمعي ) وطبيعة فهمنا وتمثلنا له وموقفنا منه ، لأن هذا الماضي يؤثر في حاضرنا ويوجه نظرتنا نحو المستقبل .
إن ماضينا مليء بالمفاخر، إن الباحث فيه وفي أسس الحضارة الإنسانية الحالية يجد بشهادة التاريخ وبشهادة الجميع أننا قدمنا للإنسانية رسالة فكرية وعلمية وحضارية متميزة و جد هامة . فعلماء الإسلام هم اللذين ابتدعوا مناهج البحث العلمي وعنهم اقتبسته العلوم الحديثة ، فكان منطلقاً لما يشهده العالم من ثورة علمية وتكنولوجية .فكيف يمكن للمربي إذن , أن ينقل إلى الطفل هذه الصورة الإيجابية عن ماضيه ،وكيف يمكنه أن يفسر هذه الحلقة المفقودة في تاريخه ، خاصة إذا كان هذا الطفل يفتح عينيه بانبهار شديد على الثقافات الأخرى . إننا في حاجة إلى تنشئة الطفل على إحساس يجعله يعتز ويفخر بماضيه . ويجعل ما يتضمنه من جوانب مشرقة سنداً قوياً في الإحساس بوجوده و ذاته في قلب الحضارة الإنسانية المعاصرة، شديد الثقة في إمكانياته العقلية والوجدانية، وعلى هذا فإن تربية الطفل وبناء شخصيته تحقيقاً لنموذج الإنسان المنشود، لا يمكنها أن تتم دون أن يكون التراث أداته الفعالة ودون أن يشكل ماضي الأمة وإرثها الثقافي جوهرة العقد .


التراث تحفيز مستمر نحو المستقبل

الحقيقة الأخرى التي نود التأكيد عليها هي أنه إذا كان التراث من المكونات الأساسية في بناء الحضارة الإنسانية بشكل عام وفي بناء مكونات الشخصية الفردية بوجه خاص، فإننا لا نعني بالتراث ، ما يلصقه به البعض من معاني قدحية وسلبية فينسب إليه عن خطأ ،الانصراف عن الحاضر والنكوص في شبه انهزام إلى الماضي. إن تأكيدنا على بعد الزمان في تحديد ماهيتنا وهويتنا لا يعني التقوقع في الماضي ، كما أننا نرفض التقابل المصطنع بين التراث والحداثة ( المعاصرة ) ، ذلك التقابل الذي قد يفهم منه بأن التراث ماض انتهى وأن الحداثة هي الحاضر والمستقبل . إن هذا المعني الذي دفع ببعض الناس إلى الدعوة لقطع الصلة بالماضي و الاستهانة بأمجاده ، والاعتقاد بأن التقدم هو في التنكر للتراث الذي يشكل في نظرهم سجناً وليس فضاء للتحرر وارتياد الآفاق . والواقع أن مثل هؤلاء يغفلون النظر إلى حقيقة الإنسان والأبعاد الثلاثة للزمان : الماضي و الحاضر و المستقبل . إن الإنسان هو الكائن القادر على احتواء الماضي و ارتياد مكوناته واستيعابها لاتخاذها أساساً لبناء الحاضر والتطلع نحو المستقبل .
وبناء على هذه الحقيقة ، فإن الحداثة أو المعاصرة ، ليست في نهاية الأمر سوى حصيلة التفاعل بين مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وهي جوانب محملة كلها بالإرث الثقافي للأمة ، والذي يمنحها تميزها واستقلالها عبر العصور و الأزمان .
إن الحداثة هي التراث وهو ينمو ويتجدد بفضل العمل الدءوب لجميع أفراد الأمة . وإن مباركتنا للحداثة وللمعاصرة لا يعني الانغلاق ، ذلك أن عوامل القوة في تراثنا بقدر ما تميزنا فإنها توحدنا (2) .

التراث منبع لثقافة الطفل :

الحقيقة الخامسة التي نود التوقف عندها ، هي أنه وفي موازاة مع الملاحظات السالفة والتي أبرزت ما للتراث من قيمة كبرى باعتباره يشكل النسيج الداخلي للمجتمعات وباعتباره الأداة المحركة للشعوب ، فقد ظهر الطفل كموضوع ثقافي ، ذلك أنه ونتيجة العديد من العوامل وفي مقدمتها انتشار التمدرس ومختلف التغيرات التي مست بنيات الأسرة و انتشار المعرفة السيكولوجية، تزايد الاهتمام بمرحلة الطفولة ودورها في تكوين الشخصية وبالنمو النفسي السليم للطفل . كما أصبح الطفل عموماً \" وثقافة الطفل \" على وجه الخصوص ، \" سوقا تجارية \" تعرف منافسة حادة على غزوها من طرف مختلف وسائل التثقيف بدءاً بصحافة الأطفال و انتهاء إلى الوسائل السمعية والبصرية وفي مقدمتها التلفزيون . وهذه المنافسة التي تساهم فيها مؤسسات شرقية وغربية حكومية وغير حكومية ، لا تحترم دائماً الشروط والمعايير التربوية كما أنها لا تحترم دائماً القيم السائدة في المجتمعات المستهلكة مما قد يحدث اضطراباً في منظومتها القيمية فتتعرض مقوماتها الثقافية والروحية للاهتزاز، كما يتعرض إرثها الثقافي للضمور والاضمحلال ، خاصة إذا عانت من الغزو بكيفية دون أن تعمل على التسلح بما يحفظها من مخاطره . لذا فإن التمسك بالتراث كما أسلفنا يكون أقوى سلاح ،خاصة إذا وظف بطريقة مثلى ضد جميع أشكال الغزو (3).
* * *

 

رد مع اقتباس