عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 06-09-2009, 01:25 PM
الصورة الرمزية معلم متقاعد
معلم متقاعد معلم متقاعد غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 1,190
افتراضي

 

وهناك العديد من النظريات الحديثة يمكن تصنيفها ضمن النظريات البيئية، ومنها نظرية شومان، وهي قائمة على دراسة قام بها شومان (Schumann, 1975) موّلتها جامعة هارفرد، ولها أهميةٌ خاصةٌ حيث إنها تفسرّ كيفية اكتساب المهاجرين البالغين اللغة المستهدفة.
وهذا الأُنموذج قائمٌ على افتراض أن هناك رابطاً يصل بين "التثاقف" واكتساب اللغة الثانية(SLA). إنّ نظرية شومان(Schumann,1978b) القائمة على التثاقف(Acculturation Model) تتضمن فرضيته الأساسية والتي يقول فيها: "إنني أحب أن أناقش بأن هناك مجموعتين من المتغيرات: العوامل الاجتماعية والعوامل النفسية واللتان تلتقيان لتشكلا متغيّراً واحداً، وهو المتغيّر الرئيسي المؤثّر في اكتساب اللغة الثانية. واقترح أن نطلق على هذا المتغيّر المثاقفة(Acculturation) وأعني بذلك أن تتوحد العوامل الاجتماعية والنفسية لدى الفرد مع مجموعة اللغة المستهدفة. أقترح كذلك أنّ أيّ متعلّمٍ يمكن أن يتعرّض لسلسلةٍ من العوامل الاجتماعية والنفسية تتسع أو تضيق مع متعلّمي اللغة المستهدفة(TL) وعندها فقط يمكن أن يكتسب المتعلّم اللغة حسب " المثاقفة" التي حققها".
إن نظريـة شومـان كما نرى قائمة على بعدين: البعد الاجتماعي وهو ما يطلق عليه "Socical Distance" والبعد النفسي ويطلق عليه "Psychological Distance ". ففي البعد الأول يرى أنه كلما زادت المسافة واتسعت الفروق الاجتماعية بين المجموعتين قلّت درجة تعلّم اللغة، وكلما تقاربت أنماط الحياة الاجتماعية أو تشابهت زادت درجة تعلم اللغة واقترب المتعلّم من إتقانها. وكذلك الحال بالنسبة للبعد النفسي، فإذا كانت الحالة النفسية جيدة زاد تفاعل الفرد وانخرط نفسياً مع المجموعة المستهدفة، وزادت الرغبة عنده في تعلم اللغة وإتقانها والعكس صحيح.
وتؤيد نظرية شومان النتائج التي توصلت إليها وونغ فلمور Wong Fillmore, 1976)) فهي تقول: إن اندماج المجموعة التي تدرس اللغة المستهدفة مع بعضها بعضاً يؤثر على المجموعة نفسها ويفقدها الاتصال أو التعاون مع المجموعة الأخرى. ذلك لأن هذا الاندماج يعطي الفرصة للمجموعة أن تتواصل بلغتها الأم، وبالتالي تبتعد المجموعة الأخرى التي لم تتواصل بلغتها الأم بل تواصلت باللغة الثانية، وهذا واضحٌ جدّاً في المجموعات ذات الخلفيات المختلفة في صفوف تعلم اللغة الإنجليزية كلغةٍ ثانيةٍ في الولايات المتحدة، حيث يشكلون مجموعات ويمضون وقتهم يتكلمون مع بعضهم بعضاً خارج الفصول بلغتهم الأم. ويمكننا أن نطلق على المجموعات أو المجموعة التي تنفصل عن المجموعة الرئيسة (الجماعة اللغوية) أو الجماعة الكلامية. ولتوضيح ذلك يعرف هدسونHidson, 1990)) الجماعة اللغوية: على أنها مجموعة اجتماعية قد تكون أحادية اللغة(monolingual) أو متعددة اللغات (multingual) تتماسك جماعة واحدة من تواتر أنماط التعامل الاجتماعي، ويفصلها عن الجماعات الأخرى في المناطق المجاورة ضغط "خطوط الاتصال".
ويرى شومان أن هناك ثلاث استراتيجيات يمكن أن تتبنّاها أيُّ مجموعة تتعلم اللغة: الهضم(Assimilation) والمحافظة(Preservation) والمثاقفة (Acclturation) فإذا ما رغبت مجموعة في هضم اللغة المستهدفة وتمثلها، فستتخلّى عن ثقافتها وتتبنّى ثقافة مجموعة اللغة المستهدفة بما في ذلك لغتها (الهضم). المحافظة وتعني أن المجموعة- التي ستدرس اللغة الثانية- ترفض ثقافة اللغة المستهدفة وتتمسك بثقافتها. أما التثاقف فقد سبق أن تحدثنا عنه حيث إن تشابه الثقافة بين مجموعتين يسهل الاندماج بينهما ويساهم في تعلم اللغة المستهدفة.Izzo,1981)) .
ويؤيد ما ذهب إليه شومان دراسة قام بها كلٌّ من كلاين ودتمار Klien and Ditmar,1979)) فقد أجريا دراستهما في ألمانيا على عدد من العمال الأجانب، 95% من هؤلاء العمال لم يحضروا درساً في تعلم اللغة. وكان عدد من طبقِّت عليهم الدراسة(48) عاملاً، وكلهم من الإسبان والإيطاليين، وكان هدف الدراسة معرفة العوامل التي تؤثر في تعلم اللغة. وخلصا من هذه الدراسة إلى أنَّ هناك ثلاثة متغيرات تُعتبر الأكثر تأثيراً في تعلم اللغة عند أفراد هذه العينة:


§ المتغير الأول: العمال الذين كانوا أكثر احتكاكاً بالألمان الأصليين، كانوا أكثر امتلاكاً واقتداراً باللغة. وأهم عاملٍ كان الاحتكاك أثناء وقت الفراغ.
§ المتغير الثاني: العمر، أي أنّ العمال الأصغر سنّاً كانوا الأكثر اتصالاً.
§ المتغير الثالث: الاحتكاك بالألمان أثناء العمل. أما طول الإقامة في ألمانيا فكان مهماً في السنتين الأولى والثانية، وحسب ما يعترض له العامل من عوامل اجتماعية.


وهناك دراسة أخرى تؤيّد شومان وهي دراسة يوجين ندا Nida, Eugene.1971)) وشملت بعض الأمريكان والإنجليز الذين يعملون في أمريكا اللاتينية، فوجد أن أفراد عينة الدراسة بعضهم يتقن الإسبانية قراءةً وكتابةً ومع ذلك كان لا يتكلم إطلاقاً إلاّ بالإنجليزية. وقد كان ضمن أفراد العينة محامٍ ويرافقه مترجم خاص، وكان المترجم الخاص يقوم بالترجمة للمحامي مع العلم أنّ المحامي يتقن الإسبانية قراءةً وكتابةً. وكان المترجم يمثل رمزاً للهيبة، مما ساعد على وضع الحواجز بينه وبين هؤلاء الأميركيين والإنجليز، مؤكداً على التفوق والكبرياء. ومن جهةٍ أخرى، إذا كانت هناك مجموعة تتعلم اللغة أقلّ مستوىً من المجموعة المستهدفة اجتماعياً، فسيكون هناك اتصال محدودٌ لتعلم اللغة، إلا إذا كانت هناك سلطة مسيطرة تفرضها. وأحسن الحالات لتعلم اللغة وانتشارها عندما تكون الجماعتان متساويتين اجتماعياً.
وفي الحالة الثانية يعني شومان( Schumann,1976b) أن اتجاهات ودوافع التلميذ تعتبر جزءاً مما سُمّي بالبعد النفسي. فمثلاً إذا كان إنجاز الطالب ضعيفاً في اللغة الثانية فهذا يعود إلى عوامل نفسية، ومنها رفضه تعلم اللغة الأجنبية، وأحياناً يرفض تعلمها نهائياً لأنه بتعلمه اللغة الجديدة يحدث له تغيّر جذريّ يمكن رؤيته من خلال تنكره لطبيعته وثقافته. ومهما يكن من أمر، فإن تعلم اللغة بشكلٍ ناقص أو غير كاف، يقف حجر عثرةٍ أمام الاندماج مع ثقافةٍ أخرى، ويعطي الفرد فرصة الاحتفاظ بهويته. من هنا كان للبعد أو الانعزال عن الآخرين وخاصة أصحاب اللغة المستهدفة أثر كبير في تثبيط المتعلم عن اكتساب اللغة الثانية المستهدفة لقلة معايشتها.
ويقول إيرل ستيفك (Earl Stevic, 1976): " هناك العديد من أشكال العزلة، العزلة بيني (أنا) وبين المعلم، وذلك لبعده عن ثقافتي الأصلية وبعدي عن الثقافة المستهدفة. والبعد أيضاً بيني وبين التلاميذ. وينشأ هذا الانعزال من الدفاع الذي نبنيه حول أنفسنا، وهذه الدفاعات التي نبنيها لا تسهّل التعلّم ولكن تثبطه، وإزالة هذا الحاجز يؤدي إلى الاندفاع لتعلم اللغة".
ويؤكد كلٌّ من فرنهام وبوشنر (Furnham and Bochner,1986):
أنّ اتجاهات المتعلّم نحو ثقافةٍ معيّنةٍ لها تأثير كبيرٌ على اكتساب اللغة الثانية، خاصة في مجال ما يسمى بـ" التثاقف". والمقصود بهذا المصطلح المسمّى بـ" Acculturation" أن يصبح متعلّم اللغة الثانية جزءاً من المجموعة الجديدة التي يقيم بينها ويدرس لغتها. أو بتعبير آخر هي تعديلات تطرأ على ثقافةٍ بدائيةٍ نتيجة احتكاكها بمجتمع أكثر تقدّماً. وشأن هذا الأُنموذج ((Acculturation شأن النظريات الأخرى في بداياتها، حيث ذهب بعيداً على اعتبار أنّ النجاح يعود إلى عوامل اقتصادية – اجتماعية، على الرغم من أنّ هناك عوامل أخرى عديدة تشير إلى أن اللغة تتعدى العوامل الاجتماعية والاقتصادية إلى العوامل النفسية التي تؤثر فيها تأثيراً كبيراً.
ويقول بوني نورتون(Bonny Norton,200) إنّ هذه النظرية تقوم على ثلاث فرضيات:
§ الفرضية الأولى:
التي تشير إلى أنه إذا كانت المجموعة التي تتعلم اللغة الثانية أدنى مستوىً من مجموعة اللغة المستهدفة، فإنها ستقاوم تعلّم اللغة الثانية.
§ الفرضية الثانية:
إذا كان أعضاء المجموعة التي تتعلّم اللغة الثانية، قد تنازلوا عن أسلوب حياتها وقيمها، وتبنوا طراز حياة المجموعة الثانية وقيمها، فإنّ اتّصالهم سيزداد بمجموعة اللغة المستهدفة ويزيد تشجيعهم على اكتساب اللغة ((SLA.
§ الفرضية الثالثة:
العلاقة بين مجموعة اللغة المستهدفة والمجموعة الدارسة لها تزداد إذا توافرت الاتجاهات الإيجابية بينهما مما يزيد من الرغبة والاستعداد لاكتساب اللغة الثانية.

إن نظرية شومان تلامس الواقع، فقد لوحظ أن الطلاب العرب الجدد والقادمين من أجل الدارسة في الولايات المتحدة، كان كثير منهم ينتظمون في فصول دراسية معدة لتعلم اللغة الإنجليزية. وأن هناك بعض الجماعات التي كانت متلازمة معظم الوقت مع بعضها البعض، داخل الفصول وخارجها، وترتب على ذلك أنهم كانوا من أكثر المجموعات تأخراً ومكوثاً في برنامج اللغة الإنجليزية، وذلك لعدم تفاعلهم مع مجتمع اللغة المستهدفة، وذلك للخلاف الشديد بين ثقافتيهما.
ويرى الباحث أن ما يراه شومان يتضاءل جميعه أمام رغبة الطالب الوافد بمتابعة دراسته في البلد التي أوفد إليه إذ إن خوفه من الفشل والخزي بين أهله وبني قومه يعد من أقوى الدوافع التي تسهل أمامه كل صعب، فتذلل كل عقبة.

 

رد مع اقتباس