عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03-03-2011, 01:04 PM
الصورة الرمزية معلم متقاعد
معلم متقاعد معلم متقاعد غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 1,190
افتراضي

 

البيئة الاجتماعية:
إن المكان الذي يعيش فيه الطفل يؤثر أيضاً في الأشياء التي تخيفه. فالأطفال الذين يعيشون في القرى والأرياف يخافون من الحيوانات أكثر من أطفال المدن. على كل حال فإن الأشياء التي لم يشاهدها الطفل قط وليس لها وجود في منطقته قد تكون هي مصدر خوفه. بعض المخاوف قد تُكسب بتقليد أشخاص آخرين في الأسرة والذين لديهم نفس هذه المشاكل. نجد حوالي سُدس (1/6) الأشخاص البالغين يشكون من مخاوف يعاني أشخاص مقرّبون لهم من رُهاب مثلها. وقد وُجد خلال الحرب العالمية الثانية في انجلترا ان أولئك الأطفال الذين لم يبلغوا سن المدرسة في خوف من الغارات الجوية إذا كانت أمهاتهم يخشونها. وبالمقابل فقد لا يشعر الأطفال بأية مخاوف إذا كان هناك شخص بالغ يثقون فيه موجود ساعة حدوث أمر مخيف.

رُهاب المدرسة:
تمر على عدد كبير من الأطفال لحظة من اللحظات يُظهرون فيها ترددهم في الذهاب إلى المدرسة. وفي أحيان قليلة يتحول هذا التردد إلى رفض صريح للذهاب إلى المدرسة. قد يكون الرفض للذهاب إلى المدرسة مشكلة حقيقية عندئذ يُسمى "رُهاب المدرسة".
على الرغم من أن معظم الأطفال يظهرون نوعاً من التوتر حيال المدرسة في وقت من الأوقات إلا أن هذا التوتر يكون عمره قصيراً سرعان ما يختفي دون الحاجة إلى علاج. لكن حالات الرفض المزمنة في الذهاب إلى المدرسة تشكّل مشكلة يجب مواجهتها.
يختلف رفض الذهاب إلى المدرسة عن التغيب (أو التهرّب) حيث أن هذا الأخير لا يرفض فيه الأطفال الذهاب إلى المدرسة ولكنهم يقومون بعدة أمور حتى يكونوا بعيدين عن أسوار المدرسة، ويتسكعون في الشوارع إما لوحدهم أو مع بعض زملائهم الهاربين مثلهم دون علم والديهم والذين يعرفون هذا الأمر من ادارة المدرسة، إن التهرّب من المدرسة مرتبط بسلوكيات جنوح أخرى، تغيّر متكرر للمدرسة، غياب الوالدين (أو أحدهما) في فترة الطفولة، وعدم انضباط سلوكي داخل المنزل، عادة ما يظهر هؤلاء المتهربون مستويات دراسية متدنية.
بالمقارنة بأولئك الأطفال الذين يتهربون من مدارسهم فإن الأطفال ذوي رُهاب المدرسة يُعلنون رفضهم صراحة في الذهاب إلى المدرسة وليس لديهم أية سلوكيات جنوح، ولا يوجد عندهم ماضٍ لغياب الوالدين عن منازلهم، ولهم سجل مشرّف في مستوياتهم الدراسية والسلوكية. كما أن لديهم أعراضاً جسمانية للتوتر أكثر من أقرانهم المتهربين خصوصاً صعوبات الأكل والنوم، آلام البطن، الغثيان، والتقيؤ. إن الطفل عادة وبكل بساطة يرفض الذهاب إلى المدرسة. قد لا يُعطي الأطفال الصغار أية أعذار لهذا الرفض، أما الكبار منهم فيرجعون هذا الأمر إلى العديد من المخاوف التي تجابههم في الحياة المدرسية. فقد يشتكون من ضعفهم أمام أطفال أقوياء أكبر منهم أو من سخرية الآخرين منهم، أو إنهم خجولون من مظهرهم. كذلك قد يخشون من خلع ملابسهم أمام أطفال آخرين أو غسل أجسادهم مع مجموعة أطفال أو بعد الانتهاء من ألعاب وتمارين رياضية. كما أن الأداء السيئ في الألعاب أو النشاط المدرسي أو الخوف من المدرس تكون أسباباً لرفض الذهاب للمدرسة. ثمة مجموعة قليلة من الأطفال قد يظن أن مكروهاً يمكن أن يقع على أمهاتهم حين يغيبون عنهن في المدرسة. أما البنات فقد يصيبهن القلق في أن تفاجئهن العادة
الشهرية كما أن البنات والأولاد يتوترون عند حلول مرحلة البلوغ أو الدورة الشهرية. ثمة أسباب أخرى يذكرها هؤلاء الأطفال حيال رفضهم الذهاب إلى المدرسة مثل الخوف من الإغماء أثناء الطابور الصباحي أو نوبات القيء.
يُظهر الطفل مخاوفه ليس بصورة مباشرة فحسب ولكن في صورة أعراض جسمانية للقلق والتي عادة ما تظهر في الصباح الباكر حين يُطلب منه مغادرة البيت إلى المدرسة. تشمل هذه الأعراض: الغثيان، التقيؤ، آلام الرأس، الإسهال، آلام البطن، ألم الحلق، وأوجاع الساقين. كما أن صعوبات الأكل، اضطرابات النوم، ومخاوف أخرى يجدر ذكرها. إن شكاوى الطفل هذه قد تزيد توتر الوالدين تجاه طفلهما وتؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى اتفاق مفتوح أو ضمني بأنه يتوجب عليه البقاء في المنزل. حالما تأكد الطفل من بقائه في المنزل فسرعان ما تختفي شكاويه تلك لتظهر صباح اليوم التالي عندما يحين وقت العودة إلى المدرسة. هذه صورة نموذجية لطفل كان يشكو من غثيان وقت الفطور وقد يتقيأ، قاوم كل محاولات تطمينه التي قامت بها أمه القلقة عليه حتى وصلت الأزمة إلى نهاية باستسلام الوالدة وسماحها له بالبقاء في المنزل، حينها شعر بالتحسن إلا أنه يتمارض عند الضغط عليه للذهاب إلى المدرسة.
يتزايد رفض الذهاب إلى المدرسة عند معظم الأطفال تدريجياً في فترة تزايد التردد في الذهاب والذي يتحول إلى رفض صريح. قبل الوصول إلى هذه المرحلة فإن الطفل نجده متوتراً، يبكي بكثرة، يبدو قلقاً غير قادر على النوم، يشعر بالغثيان، يشكو من آلام في بطنه حين يأتي وقت الذهاب إلى المدرسة. إن الإصرار على الحضور إلى المدرسة يؤدي إلى الخوف وقد يبدو الطفل شاحباً، مرتعشاً، ويتصبب عرقاً بغزارة. يظهر الخوف عند بعض الأطفال صباح السبت بعد عطلة نهاية الأسبوع. أو في اليوم الأول لفصل دراسي جديد، أو في يوم العودة إلى المدرسة عقب اجازة مرضية. كما أن هناك مثير شائع لهذا الخوف ويتمثل في التحويل من مدرسة إلى مدرسة جديدة أخرى في أي مستوى دراسي لمرحلة تعليمية. كذلك هناك مثيرات وإن بدت غير شائعة يبدأ معها رفض الذهاب إلى المدرسة مثل: موت، رحيل، أو مرض أحد الأبوين.
إن العمر الذي يظهر فيه رُهاب المدرسة هو بطبيعة الحال سن الدراسة. تصل الحالات إلى قمتها عادة في تلك المرحلة العمرية التي يحدث فيها تغير أي من سن الحادية عشرة إلى الثالثة عشرة والتي تصادف الفترة التي ينتقل فيها معظم الأطفال من المدارس الابتدائية إلى المدارس المتوسطة (الإعدادية).
إن معظم مواقف الوالدين تكون في بعض الأحيان مهمة في حالات رُهاب المدرسة. عادة ما يدلل الوالدان أطفالهم بإفراط. فبعض أمهات الأطفال المصابين برُهاب المدرسة يجعلن أطفالهن يعتمدون عليهن اعتماداً كلياً، كتعويض لعلاقتهن الزوجية الفاشلة! عندما يكون هناك إشكال عاطفي زائد ما بين الأم والطفل فإنهما الاثنان قد يحتاجان إلى علاج لأن علاج الطفل وحده قد يزيد من قلق الأم لدرجة أنها قد توقف علاجه.
عادة ما يُقال أن رُهاب المدرسة ما هو إلا اسمٌ آخر لرفض الذهاب إلى المدرسة، على أساس أن الحالة ليست هي خوف من المدرسة بتاتاً ولكنه الخوف من الابتعاد عن الأم. إن هذه النظرة ما هي إلا نظرة أحادية. فمعظم الأطفال في خوف من المدرسة أكثر من خوفهم من الابتعاد عن أمهاتهم. نعم بعضهم يخاف من الاثنين، من المدرسة والانفصال عن الأم.
مهما كان سبب رُهاب المدرسة تبقى النتائج المترتبة على هذا الغياب الطويل وخيمة وتظل مدى الحياة. فالطفل يفقد مشاركته لأصدقائه، ويفقد تنمية مهاراته الاجتماعية داخل المدرسة، ويتأثر تعليمه. إن تعود وتجنب المواقف غير السعيدة قد يكبر لدرجة أن ذلك الفرد في سنوات لاحقة يتعامل بسلبية شديدة مع المشاكل التي تواجهه في المستقبل الوقت الذي يجب علينا أن نتعلم كيف نحل مشاكلنا منذ سن مبكر.

 

رد مع اقتباس