عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 09-06-2013, 07:27 PM
الصورة الرمزية معلم متقاعد
معلم متقاعد معلم متقاعد غير متواجد حالياً
عضو ذهبي
 
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 1,190
افتراضي

 


سابعًا: الطلاق:

الأسرة في المنظور الإسلامي، مؤسسة اجتماعية اقتصادية.. وتعني كلمة "أسر" الشد والربط. وفي المنظور الاجتماعي، فإن الأسرة تعني الرابطة الاجتماعية بين أفرادها، لذا فلا عجب أن يعنى الإسلام بدوام الزواج ونجاحه، فيحدد الإجراءات لاستمرار ديمومته.. فقد اشــترط نيــة دوام الزواج، لــذا كــان أي زواج بنــية مــؤقتــة باطل لا يجوز. ويعد الطلاق أبغض الحلال إلى الله، وقد أباحه الإسلام إذا لم يعد بالإمكان استمرار الحياة الزوجية، وجعل له ضوابط ومراحل وفرصًا للعودة في ضوء حرصه على استمرار العلاقة الزوجية قائمة. ويعد الطلاق نوعًا من أنواع الغربة والاضطرابات النفسية التي تؤدي إلى صراع بين أسرتي الزوج والزوجة ويذهب ضحيتها الأبناء.

ويرتبط الطلاق بالصراع بين الزوجين وعدم الانسجام النفسي بينهما وبعمل المرأة (في كثير من الأحيان)، وبعدم قدرة الزوج على الإنفاق، وبالتالي عدم إمكانية استمرار الحياة الزوجية.. ومن المؤسف حقًا أن معدل الطلاق في معظم البلدان العربية الإسلامية آخذ في الازدياد، ففي دولة الكويت مثلاً، يشير الكندري(1)إلى أن ما يقرب من نصف الذين يتزوجون سنويًا ينتهون بالطلاق، وأن ثمة نسبة عالية من الانفصال التام المشابه للطلاق.

ولا شك أن الطلاق يعد من العوامل الرئيسة لانحراف الأبناء وتشـردهم وضياعهم وتشتت أفراد الأسرة، فعندما يفتح الطفل عينيه على الحياة ولا يجد أمًا تحنو عليه ولا أبًا يرعاه، فإنه سيؤول إلى الضيــاع والتشــرد.. ولــن يكون حــال الأبـنــاء بأفــضــل من ذلك إذا ما تزوجت المطلقة من رجل آخر لن يقبل رعاية أبناء الزوج الأول، هذا فضلاً عن تولد مشاعر القلق والخوف لدى الأمهات على مستقبلهن ومستقبل أبنائهن. ولما كان التماسك الأسري والاستقرار الزواجي يقتضي وجود أسرة متكاملة متحابة متعاطفة، فإن انفصال الزوجين بالطلاق أو حتى بغياب أحدهما لفترة طويلة سيؤدي إلى الحرمان العاطفي للأبناء، والفشل في تكوين القيم الاجتماعية لديهم، وشعورهم بالقلق وعدم الثقة بالذات وبالآخرين.

ويشير الكندري(1)إلى أن الطلاق يؤدي إلى أشكال من التفكك الأسري تظهر على هيئة مشاعر عميقة بالتهديد والخوف والمعاناة من الاضطرابات التي ترافق الطلاق، والصراع العاطفي لدى الأبناء بين حب الوالدين وعدم قدرتهم على التحيز لطرف منهما دون الآخر، ووقوع الأبناء فريسة للانتقام والإيذاء المتبادل بين الوالدين، مما ينعكس سلبًا على شخصياتهم المستقبلية، أزواجًا وآباء، وعلى نظرتهم إلى ذواتهم والآخرين والمجتمع الإنساني بعامة.

ويرتبط الهجر بالطلاق.. ويعني الهجر ترك العلاقة الزوجية والتفكير في إنهائها أو التهرب من مسؤولياتها، وغالبًا ما يتم الهجر بترك أحد الزوجين الحياة الزوجية جراء النزاع والخلاف بينهما، وقد يتم الهجر دون أي اتفاق مسبق بين الزوجين.

وتكشف الإحصائيات(1)ارتفاعًا في معدلات الهجر في السنوات الأولى من الزواج، لا سيما في حال عدم وجود الأبناء الذين قد يسهمون في دعـم الحياة الأسرية وإعادة الأمور إلى مجاريها، ولا شك أن للهجر آثارًا سلبية تنعكس على تشتت الأبناء وضياعهم وتشردهم وانحرافهم وبالتالي تفكك الأسرة عمومًا.

ثامنًا: الخيانة الزوجية:

يعد وفاء الزوجين من الدعائم الأساس للاستقرار الزواجي والسعادة الأسرية، وبالمقابل فإن الخيانة الزوجية والإشباع العاطفي خارج حدود الزوجية يعد من العوامل الرئيسة في هدم البناء الأسري وانهياره وتقويض دعائمه وبالتالي في إنهاء العلاقة الزوجية وحدوث الطلاق.

وتعد الخيانة الزوجية خروجًا عن الحقوق الشرعية للزوجين، فالأصل هو الوفاء الزواجي، مصداقًا لقول الله سبحانه وتعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} (الـمؤمنون:5-6)، ولقـوله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء: المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته"(1)، وتشير الآية الكريمة إلى الحقوق المشتركة للزوجين من إخلاص ووفاء وعمق المودة والسكن بينهما، كما يشير الحديث الشريف إلى أن على الزوجة أن تحفظ عرض زوجها بحفظ عرضها وشرفها.

وقد ترتبط الخيانة الزوجية أحيانًا بفقدان الإشباع الزواجي، فالزواج هو البيئة الشرعية لكسر الشهوة، وقد عني الإسلام بالزواج وحث عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج"(2)،كما جعل أداءه عبادة وصدقة، قال صلى الله عليه وسلم: "وفي بضع أحدكم صـدقة، قــالــوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر"(3). وأوجب على الزوجة أن تعف زوجها وتحصنه من كل سوء، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضــبان علــيها، لعنتها الملائكة حتى تصبح"(1). ويعد الزواج نعمة تفضي إلى التمازج النفــسي بين الزوجين، عبر عنها الله سبحــــانه وتعـالى بقـوله: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} (البقرة:187).

وقد حرص الإسلام على حماية العلاقة الزوجية من أية خيانة تصدر عن أي من الزوجين، فجعل عقوبة الرجم بالحجارة حتى الموت لمن يقترف جريمة الزنا ويخون زوجه خيانة صريحة بشهادة أربعة شهود. كما شرع إقامة الحدود على كل ما من شأنه زعزعتها أو الاقتراب من سياج الزوجية بسوء، وقد جاء ذلك كله حفظًا للأنساب وللأسرة من الضياع والتشرد وتحصينًا للبناء الأسري من التفكك.

تاسعًا: تحديات العولمة والإعلام:

تعد العولمة من أبرز التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة، وتهدف إلى إزالة الحدود وإذابة الفروقات بين المجتمعات الإنسانية وشيوع القيم الإنسانية المشتركة التي تجمع بني البشر، وتكون البنية التحتية لسيادة آلية رأس المال دون قيود وآلية المعلومات دون رقابة، حاملة شعار "المصير الواحد للبشرية"(1).

وبالنظر إلى الجانب الاجتماعي للعولمة، نجد أنها تهدف إلى القضاء على بنية الأسرة وهدمها واقتلاعها حتى تتعطل عن إنتاج الأسر المسلمة، ومحو خصوصيتها المميزة على المستوى الأسري، والقضاء على الإسلام من خلال تفكيك الأسرة المسلمة، والبدء بالمرأة باعتبارها الأساس في البناء الأسري، فظهرت الدعوات إلى تحريرها، كما تم عقد المؤتمرات الدولية التي تستهدف الأسرة والمرأة، منها مؤتمر مكسيكو، ومؤتمر كوبنهاجن، ومؤتمر نيروبي، وآخرها مؤتمر بكين عام 1995، الذي أفضت قراراته إلى:

أ- تهميش دور الأمومة والزوجية داخل البيت باعتباره دورًا غير مربح.

ب- الدعوة إلى تقاسم الزوج والزوجة الأعباء المنزلية وتربية الأطفال، واعتبار الزوجية والأمومة قهرًا للمرأة.

ج- تهميش دور العلاقات الأسرية والتماسك الأسري، والنظر إلى الزواج على أنه علاقة جنسية بين طرفين، كل له استقلاليته وحقوقه.

د- تقبل المجتمعات ارتكاب فاحشة الزنا وعدم استهجانها، ومساعدة المرأة على الإجهاض بصورة قانونية.

هـ- الاعتراف بالممارسات الشاذة وغير المشروعة (في ديننا الحنيف) والترويج لها، ومطالبة الحكومات بإيجاد التشريعات التي تسمح بذلك دوليًا، والتي تروج حاليًا تحت مسميات "الصحة الجنسية" و"الصحة الجسدية" و"الصحة الإنجابية"... إلخ.

وتكمن خطورة وثيقة مؤتمر بكين في إلزام الدول بتطبيق بنودها بمقابل تمويلها وسد ديونها، من خلال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وصندوق التنمية الزراعية.

وتعد وسائل الإعلام وشبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) من أبرز التحديات أمام تماسك البناء الأسري، إذ تكشف الملاحظات الواقعية تهافت الشباب نحو مشاهدة الأفلام العربية والأجنبية والبرامج المتنوعة، في التلفزيون والإنترنت وفي بعض القنوات الفضائية التي تنشر الانحلال الأخلاقي والميوعة عند الشباب، وتعزز تقليد الأطفال والشباب للممارسات غير الأخلاقية التي يشاهدونها، وعدم استهجانها، وتقبلها، وتمردهم على القيم الدينية والعادات الاجتماعية السائدة، والسخرية من رجال الدين، وتفشي الرذيلة، والتشكيك في قيم الأمة ومعتقداتها ومكنوناتها.

ومن مظاهر العولمة التي بدأت تتفشى في العالم الإسلامي تقليد الأسرة الغربية وتمثل قيمها دون وعي بسلبيات الأسرة الغربية ومزايا الأسرة المسلمة.

فقد كانت الأسر الممتدة هي الشكل الأسري السائد في المجتمع العربي الإسلامي إلى حد قريب، وكانت الأسرة المسلمة تمتد لتشمل الأجداد والأبناء والأحفاد، وكان التماسك والترابط بين أفراد الأسرة الممتدة كبيرًا، حيث صلة الرحم وبر الوالدين واحترام الكبير والعطف على الصغير.. وكان الطفل واثقًا من نفسه ومن الآخرين من حوله، يبادلهم الحب بالحب والرعاية بالاحترام والتقدير.

ولكن الحال لم يعد كذلك اليوم، فقد أخذ نظام الأسر النووية في الانتشار بمعدلات سريعة في جميع أقطار وطننا العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، تقليدًا للغرب. وتحول الاهتمام إلى الأسرة الصغيرة بتوجيه من الأب والأم الذين بدءا يكونان كيانًا متقوقعًا انعزاليًا. وسيطرت الاهتمامات الفردية والمصالح الشخصية على أفراد الأسرة، على حساب الاهتمام الجماعي والترابط الأسري والشعور بالمودة والتراحم والتعاطف تجاه أفراد الأسرة الآخرين، فانقطعت صلة الرحم وتفشى عقوق الوالدين والتمرد عليهم، واشتد الصراع بين أفراد الأســـرة، واتســعت الهــوة بين الآباء والأبناء وظهر على السطح ما يسمى بصراع الأجيال، واستعصى في حالات كثيرة على الحل، وبذا ضعف التماسك الأسري وفقد مناعته، وتقلصت مهمة الأسرة إلى حد الرعاية الجسمية دون التربية الاجتماعية والنفسية والدينية.

كما ساد الاهتمام بالجوانب المادية على حساب الجوانب الروحية والدينية، فصار الهم الأكبر لأفراد الأسرة يتمثل في كسب المال وشراء الأثاث والسيارات الفاخرة والسفر والرحلات وإقامة الحفلات والسهرات، وبدأت الأسر تتفاخر في ممتلكاتها المادية، وانعكس ذلك على القيم الاجتماعية السائدة، حتى أصبح تقييم المجتمع للفرد يعتمد على ممتلكاته المادية ومظهره الخارجي على حساب الجوانب الأخرى لشخصيته.

ويتفاوت أثر العولمة في مجتمعاتنا العربية الإسلامية من بلد لآخر، ومع ذلك يمكن القول: بأن تحديات العولمة تقتضي إبداعات فكرية، وتنويرًا أيديولوجيًا مستمرًا، وتنويرًا فقهيًا يساعد الأسرة على شق طريقها وسط هذه التحديات بأمان واقتدار.

عاشرًا: الزواج بغير المسلمة:

أجاز الإسلام نكاح أهل الكتاب بالاستدلال بقوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن} (المائدة:5)، وأكد ضــرورة أن تكــون الزوجة محل ثقة الزوج؛ يأمنها على شرفه وأبنائه ومتاعه، ولكن الزوجة غير المسلمة موكولة إلى طبيعتها وما تربت عليه في أسرتها من عادات وتقــاليد وقيم اجتماعية، تختلف عن عادات وتقــاليد وقيم زوجها في البلاد العــربية والإسلامية..

وجدير بالذكر أن المرأة غير المسلمة ستعمل على تربية الأبناء وتنشئتهم وإكسابهم العادات والقيم التي تربت عليها، فيكون الأبناء ضحية هذا النوع من الزواج، فقد يتعلمون لغة أمهم على حساب اللغة العربية، وقد تحول الأم دون ممارستهم شعائر الدين الإسلامي، بل قد تعلمهم شعائر دينها ومعتقداتها، ممايثير النزاع بين الزوجين الذي قد ينتهي بفرار الزوجة إلى بلدها ومعها أبناؤها، وهناك تجد الحماية القانونية لها ولهم، ويحاول الزوج جهده لإعادة أبنائه دون جدوى، فتتشتت الأسرة ويضيع الأبناء.

 

رد مع اقتباس