المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العنف العائلي: الأبعاد السلبية والإجراءات الوقائية والعلاجية (المجتمع العربي الليبي كنموذج)


زهرة الشمال
09-15-2010, 12:06 PM
العنف العائلي: الأبعاد السلبية والإجراءات الوقائية والعلاجية (المجتمع العربي الليبي كنموذج)

الأستاذ عبد السلام بشير الدويبي - عضو هيئة التدريس بكلية العلوم الاجتماعية والمنسق المساعد باللجنة العليا للطفولة – طرابلس


* دراسة أولية حول ظاهرة العنف العائلي في إطار الوقائع والتشريعات الليبية والدولية

** تمهيد
يمثل العنف العائلي سلوكا مرفوضا و مجرما في معظم الدول وذلك لما له من انعكاسات سلبية على كيان الأسرة وسلامة وآمن وحقوق أفرادها، ورغم أن العنف العائلي من الظواهر التي تمتد جذورها في كل الأمم والثقافات والحضارات بدءاً من جريمة القتل الأولى عندما قتل هابيل قابيل إلا أنه مع ذلك ظل سلوكاً مرفوضاً ومشيناً في معظم تداعياته، ويشكل العنف العائلي تهديداً خطيراً لحقوق الإنسان خاصة المرأة والطفل الذين هم أكثر أفراد الأسرة عرضة للعنف وضحاياه.
وقد جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لتأكيد حقوق الإنسان وحريته وضمان أمنه واستقراره بشكل متكافئ حتى يسود العدل والسلام. وقد أشار هذا الإعلان في ديباجته إلى أنه " لما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، فإن غاية ما يرنو إليه عامة البشر هو انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بالحرية ويتحرر من الفرع والفاقة ".
وأكدت المادة الأولى من هذا الإعلان على مبدأ ولادة جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً عليهم أن يعاملوا بعضهم البعض بروح الإخاء، ويمثل الإعلان في مجمله وثيقة دولية مهمة للحد من أشكال ومظاهر الظلم والعسف والجور وتجاهل حقوق الإنسان.
وتوالت جهود المجتمع الدولي في التصدي لظاهرة العنف عموماً و العنف العائلي على وجه الخصوص، وقد تجسد ذلك في الاتفاقية الدولية لمنع كافة أشكال التمييز ضد المرأة (CDAW) والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
وفي كل الأحول فإن العديد من الدراسات والبحوث في مجال العلوم الاجتماعية والتربية وعلم النفس تؤكد على خطورة العنف العائلي وانعكاساته السلبية على الفرد في شخصه وعلى الأسرة في استقرارها وعلى المجتمع في نموه وتقدمه. وفي المجتمع العربي الليبي تشير التقارير الرسمية والإحصاءات المتداولة إلى عدم انتشار ظاهرة العنف العائلي كما أن هناك العديد من التشريعات التي سيتم استعراض بعضها المجرّمة للعنف العائلي.
بالإضافة الى القوانين الأخرى التي تضمن حقوق الإنسان وحريته والتي بينها قانون تعزيز الحرية.
ويعتبر تناول موضوع العنف العائلي انطلاقا من خصوصية المجتمع الليبي إثراءً لدراسة ظاهرة العنف العائلي على المستوى الإقليمي والعالمي ومشاركة في الجهود الدولية للحد من هذه الظاهرة المشينة.

في هذا البحث الموجز سيتم تناول القضايا التالية:
1. القانون وتجريم العنف العائلي في الجماهيرية الليبية .
2. الالتزامات الدولية فيما يتعلق بالعنف العائلي.
3. أسباب العنف العائلي من واقع خصوصية المجتمع الليبي.
4. مظاهر العنف العائلي.
5. آثار العنف العائلي.
6. العنف العائلي ضد المرأة.
7. انعكاسات ممارسة العنف على المرأة.
8. التصدي للعنف العائلي:
أولا/ البعد الوقائي
ثانيا/ البعد العلاجي

** مفهوم العنف العائلي
هناك عدة منطلقات في تحديد مفهوم العنف العائلي يرتبط بعضها بمضامين قانونية وبعضها الآخر بمضامين ودلالات جسمية وبعض ثالث منها بمضامين نفسية واجتماعية وسياسية ودينية وغيرها، ويمكن تتبع أهم تعريفات العنف العائلي في الآتي:
1. مفهوم العنف العائلي في التشريع الجنائي الليبي:
يرتبط القانون الجنائي بين جرائم العنف وبين حدوث الضرر، فقد نصت المادة (56) من القانون الجنائي على أنه " لا جريمة إذا استحال حدوث الضرر أو وقوع الخطر لعدم جدوى الفعل أو لعدم وجود موضوعه، ومع ذلك يعاقب على التي ارتكبت إذا كونت هذه الأفعال بذاتها جريمة أخرى " .
وينبغي أن يفهم العنف العائلي أو غيره من أشكال العنف الذي يعد جريمة يعاقب عليها القانون في نطاق وجود الإرادة والقصد، وفي ذلك نصت المادة (63) من قانون العقوبات الليبي على أنه " ترتكب الجناية أو الجنحة عن قصد عمدي إذا كان مقترفها يتوقع ويريد أن يترتب على فعله أو امتناعه حدوث الضرر أو وقوع الخطر الذي حدث والذي يعلق عليه القانون وجود الجريمة، وترتكب مع تجاوز القصد إذا نجم عن الفعل أو الامتناع ضرر أو خطر أكثر جسامة مما كان يقصده الفاعل ".
ولا يعد عنفا عائليا معاقباً عليه إذا كان الفعل عن طريق الخطأ أو الغلط أو التضليل حيث نصت المادة (67) من القانون المذكور على أن " الغلط المكوّن للجريمة يعفي الفاعل من العقاب عليها ". 2
. يفهم من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن العنف العائلي هو يدخل ضمن تهديد حرية الإنسان وكرامته وبالتالي حقوقه كإنسان، و أشارت المادة الخامسة من الإعلان المذكور إلى " عدم تعريض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة ".
ونصت المادة الثانية عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه " لا يعرّض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو لحملات على شرفه وسمعته ولكل شخص الحق في حماية القانون ".
3. يشير قاموس راندوم هاوس (Random House Dictionary) إلى أن مفهوم العنف يتضمن ثلاثة مفاهيم فرعية هي فكرة الشدة والإيذاء و القوة المادية .
4. ويرى روبرت أودي (Robert Audi) أن العنف العائلي وغيره يعني الهجوم أو الإساءة لشخص ما سواء كانت مادية أو معنوية.
5. ويتوسع جارفر (Garver) في تحديد مفهوم العنف عموماً والعنف العائلي على وجه الخصوص الذي هو اعتداء على شخص الإنسان إما في جسمه أو نفسيته أو سلب حريته، وذلك في إطار مؤسسة السرة و إن هذه الآثار متداخلة، فالاغتصاب مثلاً يعد اعتداء على جسم المرأة وهو في الوقت نفسه يؤثر سلباً في نفسيتها ويضيف جارفر أن مفهوم العنف العائلي يتضمن مصادرة أو إلغاء قدرة الشخص وحقه في اتخاذ القرار الذي يخص جسمه وحياته وسلوكه.
6. يورد قاموس ويبستر سبعة دلالات للعنف تبدأ من الإيذاء الخفيف وتزداد شدة.
7. ويميز ديفيد جو لدبيرج بين العنف العائلي الاجتماعي والعنف العائلي الديني والعنف العائلي الاقتصادي والأخلاقي وهو في دلالته العامة يشير إلى إيذاء أفراد العائلة أو إلحاق الضرر بهم.
8. ربط المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان والذي صدر عنه ما يعرف بإعلان وبرنامج عمل فينا (1993) بين العنف والتمييز ضد المرأة، حيث نص تحت بند المساواة في المراكز وحقوق الإنسان للمرأة، الفقرة (38) على أن مظاهر العنف تشمل المضايقة الجنسية والاستغلال الجنسي، والتمييز القائم على الجنس والتعصب والتطرف والحمل العشري، وقد جاء في الفقرة المذكورة ما يلي: " يشدد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بصفة خاصة على أهمية العمل من أجل القضاء على العنف ضد المرأة في الحياة العامة والخاصة والقضاء على جميع أشكال المضايقة الجنسية والاستغلال والاتجار بالمرأة، والقضاء على التحيز القائم على الجنس في إقامة العدل وإزالة أي تضارب يمكن أن ينشأ بين حقوق المرأة والآثار الضارة لبعض الممارسات التقليدية أو المتصلة بالعادات والتعصب الثقافي والتطرف الديني ".
هكذا تحدد هذه الفقرة مفهوم العنف ضد المرأة التي هي الإنسان والزوجة والابنة والقريبة وهي أساس الأسرة ومدرسة الأجيال.
9. تشير الموسوعة العلمية (Universals) إلى أن مفهوم العنف يعني كل فعل يمارس من طرف فرد أو جماعة ضد فرد أو أفراد آخرين عن طريق التعنيف قولاً أو فعلاً وهو فعل عنيف يجسد القوة المادية أو المعنوية.
هكذا إذاً يتخذ مفهوم العنف العائلي دلالات ترتبط بالاعتداء بالقول أو الفعل على أحد أفراد الأسرة أو على كل أعضائها بما يؤدي إلى إلحاق الضرر والأذى بهم وينطوي تحت هذا المفهوم الإيذاء الجسدي والمعنوي المقصود.

** القانون وتجريم العنف العائلي
توجد العديد من التشريعات النافذة في الجماهيرية التي تحرّم الاعتداء على الأشخاص والممتلكات وهي تمثل إطاراً للحماية من ممارسة العنف ضد الفرد كمواطن وكعضو في الأسرة نواة المجتمع، ومن بين هذه التشريعات قانون تعزيز الحرّية وقانون حماية الطفولة وقانون العقوبات، ونظرا لشمولية قانون العقوبات لمواد صريحة تجرّم العنف العائلي فسيتم استعراض بعض المواد القانونية في هذا المجال.
1. نصت المادة (372) فيما يتعلق (بتجريم القتل العمد) على أن " من قتل نفساً عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالسجن المؤبد أو السجن، وإذا وقعت الجريمة ضد الأصول أو الفروع أو الزوج أو الأخ أو الأخت تكون العقوبة السجن المؤبد. " نلاحظ هنا تغليظ أو تشديد العقوبة في حالات القتل العمد داخل العائلة وهو أقسى أنواع العنف العائلي في حالات ارتكاب هذا الجرم من قبل أحد أفراد الأسرة ضد بقية أعضائها.
2. وفيما يتعلق (بقتل الوليد صيانة للعرض)، نصت المادة (373) على أن " يعاقب بالسجن لمدة لا تزيد عن سبع سنوات كل من قتل حفظاً للعرض طفلاً إثر ولادته مباشرة أو قتل جنيناً أثناء الوضع إذا كان القاتل هو الأم أو أحد ذوي القربى، و يكون عرضة للعقوبة ذاتها كل من اشترك في الفعل وكان قصده الأوحد مساعدة أحد الأشخاص المذكورين في حفظ العرض، وفي سائر الأحوال الأخرى يعاقب من اشترك في الفعل بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات".
3. القتل والإيذاء حفظا للعرض :
نصت المادة (375) على معاقبة من يقتل زوجته أو أمه أو ابنته أو أخته في حالة الزنا هي وشريكها، وذلك على النحو التالي " من فوجئ بمشاهدة زوجته أو ابنته أو أخته أو أمه في حالة تلبس بالزنا أو في حالة جماع غير مشروع فقتلها في الحال هي وشريكها أو هما معاً رداً للاعتداء الماس بشرفه أو شرف أسرته يعاقب بالحبس، وإذا نتج عن الفعل أذى جسيم أو خطير للمذكورين في الظروف ذاتها فتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد عن سنتين.
4. تسييب القصر أو العجزة:
نصت المادة (387) على المعاقبة بالحبس أو الغرامة لكل من سيب شخصا معهودا إليه بحراسته أو رعايته إذا كان ذلك الشخص صغيراً أو عاجزاً عن القيام بشؤونه بنفسه لمرض في جسمه أو عقله أو لشيخوخته أو لأي سبب آخر.
كما نصت المادة (389) على حبس كل من سيب وليداً إثر ولادته مباشرة صيانة لعرضه أو عرض أحد ذوي قرباه، وزادت مدة العقوبة إلى السجن الذي لا يزيد عن خمس سنوات إذا كانت نتيجة التسيب الموت.
5. وفي فصل جرائم الإجهاض حدد المشرّع عقوبات لإجهاض الحامل في العديد من الظروف، وفي هذا الإطار نصت المادة (39.) على معاقبة كل من تسبب في إسقاط (إجهاض) الحامل دون رضاها يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سنتين.
ونصت المادة (391) على أن " كل من تسبب في إسقاط حامل برضاها يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وتطبق العقوبة ذاتها على المرأة التي رضيت بإسقاط جنينها ".
أما إذا نتج عن فعل الإسقاط موت المرأة الحامل فتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات طبقا لأحكام المادة رقم (393) عقوبات، أما إذا نتج عنه أذى شخصي خطير فتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على ثماني سنوات.
ونصت المادة (394) على تخفيض العقوبات السابقة إلى النصف إذا ارتكب فعل الإسقاط (الإجهاض) صيانة لعرض الفاعل أو أحد ذوي قرباه.
وخصص الباب الثاني من قانون العقوبات المذكور للجرائم ضد الأسرة، وفي الفصل الأول منه وتحت عنوان الجرائم المتعلقة بالمساعدات العائلية، نصت المادة (394) على تجريم ومعاقبة التقصير في القيام بواجبات الإعانة المترتبة على مكانته الأبوية أو على واجبه كوصي أو على كونه زوجا بالتخلي عن منزل الأسرة أو باتباع مسلك يتنافى مع نظامها السليم أو أخلاقها، وتزيد العقوبة إلى النصف إذا ارتكب الفاعل أحد الأفعال الآتية:
1. إذا سلب أو بذّر أموال أبنائه القاصرّ أو أموال من له وصاية عليه أو أموال زوجته.
2. إذا جرد من وسائل العيش فروعه القاصرين أو العاجزين عن العمل أو أصوله أو زوجه.
وتحت عنوان (سوء استعمال وسائل الإصلاح أو التربية) نصت المادة (397) عقوبات على أن يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز السنة كل من استعمل وسائل الإصلاح أو التربية استعمالاً غير مشروع على من هو خاضع لسلطته أو من عهد إليه به لتربيته أو لتثقيفه أو الاعتناء به أو الإشراف عليه أو رعايته أو لتدريبه على مهنة أو فن إذا كان من شأن الفعل تعريضه لمرض في الجسم أو في العقل.
ونصت المادة (398) بشأن موضوع إساءة معاملة أفراد الأسرة والأطفال على المعاقبة بالحبس لكل من أساء معاملة أحد أفراد أسرته أو صغيراً دون سن الرابعة عشر أو أي شخص آخر خاضع لسلطته أو معهود إليه به لتربيته أو لتثقيفه أو رعايته أو لتدريبه على مهنة أو فن.
ونصت المادة (398) مكرر على المعاقبة بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بغرامة لكل من امتنع عن تسليم صغير إلى من له الحق في طلبه بناء على حكم قضائي أو قرار صادر بشأن حضانته أو حفظه وكذلك لكل من خطفه بنفسه أو بواسطة غيره ممن لهم بمقتضى الحكم أو القرار حق حضانته أو حفظه ولو كان ذلك بغير تحايل أو إكراه.
وفي الفصل الثاني من الباب الثاني الجرائم ضد الأسرة، نصت المادة (4.3) على المعاقبة بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات بكل من لقح إمرأة تلقيحا صناعيا بالقوة أو الخداع، وتزاد العقوبة بمقدار النصف إذا وقعت الجريمة من طبيب أو صيدلي أو قابلة أو أحد معاونيهم.
وتناول الفصل الثالث من الباب الثاني المذكور موضوع الجرائم ضد كيان الأسرة فنصت المادة (4.4) منه على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات كل من أخفى وليدا أو بدله لإعداد وثيقة الولادة أو أدلى بأقوال كاذبة لإدارة تسجيل المواليد أو أعدم أو غيرّ بيانات الوليد الشخصية أو تسبب في إثبات ولادات مزعومة في سجلات الإدارة المذكورة.
وجرّمت المادة (428) خطف الإنسان أو حجزه أو حبسه أو حرمانه من الحرية الشخصية بالقوة أو بالتهديد أو بالخداع وحددت لها عقوبة بالسجن لا تزيد عن خمس سنوات أما إذا ارتكبت ضد أصول أو الفروع أو الزوج فتكون العقوبة سبع سنوات كحد أقصى.
ونظراً لأن مظاهر العنف العائلي وعلى الأخص تلك التي يتضرر منها الأطفال القصر فقد نصت المادة السادسة من القانون رقم (5) لسنة 1997 بشأن حماية الطفولة على تكليف الأشخاص الذين لهم صفة الضبط القضائي بمتابعة الجهات والأفراد الذين يقومون على شؤون الأطفال الأيتام وكذلك الأطفال الذين يبّلغ عن تعرضهم لإساءة المعاملة من قبل ذويهم أو من غيرهم على أي وجه أو يكشف تعرضهم لها بأي وسيلة والتحقق من طبيعة المعاملة التي يلقونها والرعاية المقدمة لهم.

** الالتزامات الدولية فيما يتعلق بالعنف العائلي
تلتزم الجماهيرية بعدد من المواثيق والاتفاقات الدولية التي صادقت عليها والتي تسعى للحد من مظاهر التمييز والعنف ضد الإنسان وعلى الأخص الاتفاقيات الآتية :
1. اتفاقية تحريم الاتجار بالنساء والبالغات 7/12/1955ف.
2. الاتفاقية الدولية لمنع جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي تبنتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر 12/1979 ف.
3. الاتفاقية الدولية بشأن جنسية المرأة المتزوجة.
4. الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل C.R.C. .

** أسباب العنف العائلي:
إن مقاربة أسباب العنف العائلي تقتضي المعالجة المنهجية للبيانات المتوفرة من قبل الجهات الرسمية وكذلك الحصول على بيانات ميدانية تتعلق بحالات وضحايا العنف العائلي.
وفي إطار ما تقدم يمكن إرجاع العنف العائلي كما يحدث في المجتمع العربي الليبي إلى جملة من الأسباب لعل من أهمها ما يلي:
1. الوضع الاقتصادي الصعب لبعض الأسر الأمر الذي يترتب عليه عدم مقدرة الأسرة أو نقص إمكانياتها في توفير حاجات أفرادها وغالبا ما ينشأ صراع بين الزوج والزوجة لتوفير احتياجات البيت وقد يتطور الصراع إلى نوع من الشجار والضرب وقد يسقط أحد الأبوين غضبه على أبنائه.
2. الوضع السكني ويرتبط بحالات العنف العائلي، حيث تبين أن الظروف السكنية الصعبة كضيق المنزل وكثرة عدد العائلات به يقود إلى حدوث نوع ن الخلاف حول بعض المرافق، كالمطبخ ودورة المياه، الأمر الذي يترتب عليه الكثير من مظاهر العنف العائلي وخاصة ضد المرأة والأطفال.
3. نقص الوعي الاجتماعي بحقوق الإنسان وبخطورة الممارسات العائلية العنيفة على الجو العائلي ودور الأسرة في التنشئة الاجتماعية وغيرها.
4. انخفاض المستوى التعليمي والأمية التي تؤدي إلى افتقار الأبوين إلى الإلمام بوسائل التربية الحديثة ولجوئهم إلى الضرب والتعنيف في التعامل مع أبنائهم عندما يخطئون.
5. بعض عناصر الثقافة السائدة والتي تميز بين الذكور والإناث وتؤيد فكرة الضرب والتعنيف، ويلاحظ أن هذه الخاصية ليست هي الخاصية السائدة في الثقافة الليبية التي تدعو إلى احترام أفراد الأسرة وتقدير الأبوين.
6. وجود حالات من المرض النفسي بين بعض أفراد الأسرة، حيث يتميز بعض من يلجئون إلى العنف عموما و العنف العائلي على وجه الخصوص بسرعة الغضب وعدم التحكم في مشاعر الغيظ وسرعة الانفعال.
7. وجود نوع من صراع القيم بين الأجيال داخل الأسرة الواحدة، حيث يتبنى الآباء قيماً تقليدية محافظة في حين يميل الأبناء إلى تبني قيم متحررة وبالتالي يميلون إلى التمرد ورفض قيم الآباء الأمر الذي يؤدي إلى نشوب الكثير من الخلافات التي ينجم عنها ممارسات عنيفة ضد الأبناء في الأسرة.
8. يتسبب تعاطي أحد الأبوين للخمور والمخدرات وإدمانها في الكثير من المشاجرات العنيفة والاعتداء بالضرب نتيجة لتأثير المادة المسكرة أو المخدرة.
9. مشاهدة أشرطة العنف في الإذاعة المرئية ، وقد وجد أن الأطفال الذين يشاهدون أشرطة العنف غالباً ما يقلدونها ويكتسبون سلوكيات عدوانية.
10. تقليد الأطفال للسلوك العنيف الذي يقوم به آباءهم أو مدرسوهم.
هذه إذاً بعض العوامل التي يمكن الركون إليها في تفسير بعض مظاهر العنف العائلي، وهي أسباب لها خصائصها النفسية والاجتماعية والأخلاقية أو الاقتصادية والسكنية وغيرها، ومع ذلك يظل الموضوع في حاجة الى دراسة ميدانية تتبع عوامل أو مسببات العنف العائلي والموقف القانوني والاجتماعي منها.

** مظاهر العنف العائلي:
من خلال الاطلاع على التقرير السنوي حول الجريمة في المجتمع الليبي، وعلى مضامين التشريع الجنائي الليبي فيما يتعلق بتجريم الاعتداء على كيان الأسرة وأخلاقها، يتضح أن مظاهر العنف العائلي تتجسد في جملة من المظهر من بينها:
1. قتل الوليد صيانة للعرض: بلغ إجمالي عدد جرائم قتل الوليد غير الشرعي بقصد صيانة العرض (11) قتيلاً عام 1995ف. وانخفض هذا العدد إلى (6) قتلى عام 1996 .
2. تسبيب الوليد صيانة للعرض: يعتبر تسييب الوليد بقصد صيانة العرض من الجرائم التي تهدد حياة هذا الإنسان بالخطر، وقد بلغ إجمالي عدد هذه الجرائم (69) جريمة عام 1995ف. وانخفض إلى (5. جريمة عام 1996، وبنسبة تصل إلى 13%) من إجمالي الجرائم الهامة المرتكبة ضد الأشخاص.
3. هتك العرض: بلغ إجمالي عدد جرائم هتك العرض بالقوة (173) جريمة عام 1995ف. أما جرائم هتك العرض بالرضا فقد بلغ مجموعها في عام 1995ف (173) جريمة.
4. الإجهاض : بلغ إجمالي جرائم الإجهاض لعام 1995ف.(7) جرائم وبنسبة مئوية تصل إلى (18..%) من إجمالي الجرائم الهامة المرتكبة ضد الأشخاص.
5. تحريض الصغار على الفسق والفجور : تعتبر جريمة تحريض الصغار على الفسق والفجور من الجرائم الخطيرة والمدمرة والتي لها تأثيرها السلبي على الطفل وقد بلغ إجمالي هذه الجرائم (2.) جريمة عام 1995ف. إضافة إلى عدد من الجرائم الأخرى التي تهدد أخلاقيات الأسرة وكيانها والتي تهدد أخلاقيات الأسرة وكيانها والتي يمكن تتبع حجمها ومساراتها .
بالإضافة إلى الجرائم السابقة التي تدخل بشكل مباشر أو غير مباشر ضمن جرائم العنف ضد الأسرة والعنف العائلي، توجد العديد من الجرائم التي لا تظهر في الإحصاءات الرسمية وهي غالباً جرائم مسكوت عنها، ويمكن الإشارة إلى نماذج من هذه الجرائم في التالي:
1. تزويج البنت دون رضاها وذلك بأن تزوج الأسرة ابنتها من شخص لا ترغبه ولا تشعر بأنه يناسبها لا شكلاً ولا سناً.
2. تطليق الزوجة دون رضاها إذ غالبا ما تفرض بعض الأسر على ابنها تطليق زوجته لأنها لا تروق لأبويه أو لأنها لا تناسبهم أو ما إلى ذلك.
3. حرمان البنات من مواصلة التعليم وذلك انطلاقاً من اعتقاد خاطئ بأن البنت ليس لها إلا بيتها والاعتناء بزوجها و أولادها مستقبلاً.
4. الضرب المبرح للأولاد، ويعكس هذا النوع من العنف العائلي مظاهر سلوكية سلبية مسكوت عنها لأنها تمثل خصوصيات الأسرة، ولأن ضحاياها من صغار السن لا يقدرون على التبليغ أو المطالبة بحقوقهم.
5. الاعتداء الجنسي على البنات الصغيرات السن ( المرأة الطفلة).
6. ضرب الزوجات: إن ضرب الزوجان شأنه شأن ضرب الأطفال، وإساءة معاملتهم يمثل نوعاً من العنف العائلي لكنه عنف مسكوت عنه وهو عنف تؤيده بعض المظاهر الثقافية المتخلفة كما يجسده المثل الشعبي القائل (إذا ضربت المرأة مكّن) وهو مظهر ثقافي يتناسى دعوة الدين الإسلامي إلى الشعرة بالمعروف و إلى اللين في المعاملة لقوله تعالى (فَبِما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر...) وقوله (فامسكوهن بمعروفٍ أو فارقوهنَّ بمعروفٍ).
هذه إذاً أمثلةٌ لا حصراً لكافة مظاهر العنف العائلي كما تبرز ممارستها في نسيج الواقع الاجتماعي، كما أن استعراض هذه الأمثلة يعبّر عن مؤشر وجود بعض السلوكيات السلبية داخل إطار الأسرة الليبية وهي سلوكيات لها انعكاساتها السلبية على أفراد الأسرة من ضحايا العنف ومرتكبية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإحصاءات التي ترصد تنامي هذه الظاهرة وتتبع مساراتها ليست بالقدر الذي يمكن الركون إليه لعدة اعتبارات منها:
أ. إن سلوكيات العنف العائلي هي من السلوكيات المسكوت عنها لأنها تعتبر من خصوصيات الأسرة التي لا يحق لأحد الإطلاع عليها.
ب. إن ما يتوفر من بيانات رسمية حول جرائم العنف العائلي وما بها من مؤشرات تعكس بساطة حجم المشكلة للدرجة التي لا يمكن اعتبارها ظاهرة إنما هي بيانات عن حالات محدودة جدا تحال للقضاء ويفصل فيها وهي بالتالي لا تعكس الحجم الحقيقي للظاهرة.
ج. وحتى بالنسبة لضحايا العنف العائلي الذين تم علاجهم بالمستشفيات فإنهم غالبا لا يصرّحون بالأسباب الحقيقية لإصابتهم خاصة بالنسبة للآباء والأمهات الذين يكونون عرضة لاعتداء أبنائهم عليهم.
وفي كل الأحول فإن أنماط العنف العائلي وممارسته الظاهرة والخفية لا يمثل نمطاً حياتياً للمجتمع الليبي بقدر ما يمثل حالات فردية متوقع حصولها في ظل المعطيات النفسية والذاتية للأفراد في ظل بعض المعطيات الاقتصادية والاجتماعية السلف الإشارة إليها.

** آثار العنف العائلي:
يجسد العنف أيا كان مصدره والعنف العائلي على وجه التحديد مظهراً سلبياً في إطار مسؤوليات الأسرة ومهامها تجاه أفرادها، بل لقد عده العلماء المختصون في التربية وعلى الاجتماع انحرافاً خطيراً عن الوظائف السامية للأسرة.
ويشير الأستاذ جان لابلانس ( 323: 1987) إلى أن العنف هو من النزعات العدوانية التي تتجسد في تصرفات حقيقية أو وهمية وتؤدي إلى عدد من الآثار منها:
أ. إلحاق الأذى الأخر وهو هنا قد يكون الأولاد أو الزوجة أو الزوج أو المعاق بالأسرة أو الأجداد أو من إليهم.
ب. تدمير الطرف الآخر كما يحدث في حالات القتل حماية للشرف وفي حالات إجهاض الحامل دون رضاها أو حتى برضاها.
ج. إكراه المعتدي عليه من أفراد الأسرة كإكراه البنت على الزواج ممن لا ترغبه أو إكراهها على عدم مواصلة التعليم وترك الدراسة أو إكراهها على تدبير شؤون البيت والقيام على خدمة أخواتها الذكور حتى وإن كانوا أكبر منها سناً.
د. الإذلال بحيث يوضع عضو الأسرة المُعتدي عليه في موقف المذلة والمهانة كما يحدث في حالات ضرب الزوجة أو منعها من الخروج من البيت لمدة طويلة أو من زيارة أهلها.
هـ. شهور الضحية بالقلق والاضطراب الأمر الذي قد يدفع إلى بروز أشكال مختلفة للتفكك العائلي أو ترك بيت الأسرة.
وقد يتخذ العنف العائلي مظاهر أخرى غير الفعل المادي، فرب الأسرة في ليبيا أو أي عضو من أعضائها قد يلجأ إلى أساليب أخرى يمارس من خلالها العنف العائلي كرفض الاهتمام بالأسرة والتقصير في القيام بالواجبات العائلية وكعقوق الأبوين.
ويصدر العنف داخل نطاق الأسرة شأنه شأن بقية مظاهر العنف الإنساني عن وجود نزوة للتدمير تتوجه نحو الداخل وترتد فتتوجه نحو الداخل وعلى رأي مدرسة التحليل النفسي (لابلانش 1987) فإن (المفهوم القائل بنزوة تدمير " عدوانية " قابلة لأن تتوجه نحو الخارج وتعود فتتوجه نحو الداخل يؤدي إلى جعل تحولات السادومازوشية حقيقة معقدة ولكنها قادرة على تبيان العديد من أساليب الحياة النفسية كما إنها من جهة أخرى لا تنطبق فقط على علاقات الموضوع أو العلاقة مع الذات، بل تسري أيضا على العلاقات بين مختلف الأركان كالصراع ما بين الآن الأعلى والأنا ".
ومن أخطر آثار العنف عموماً والعنف العائلي على وجه الخصوص توليده للعنف. فالعنف كما يرى بعض المتخصصين يولد العنف وهنا يمكن الإشارة إلى أن الأسرة التي يسود العلاقات بين أفرادها طابع العنف غالباً ما يكون أطفالها ميالون للسلوك العنيف، ففي دراسة استطلاعية قام بها معد هذا البحث حول الأحداث الجانحين في مؤسسات الإصلاح وجد أن نسبة مرتفعة من هؤلاء الأحداث يأتون من أسر يسود العلاقات بين الآباء والأبناء فيها طابع العنف حيث يميل آباء هذه المجموعة إلى معاقبتهم بالضرب المبرح والتوبيخ اللاذع، كما أن نسبة منهم أشارت إلى أن العلاقات بين الآباء والأمهات علاقة مضطربة يسودها النزاع والخلافات وغالباً ما يلجأ إلى ضرب زوجته حتى بحضور أبنائه.
هذه إذاً نماذج تحليلية لآثار العنف قصد إبرازها وإيضاح مدى خطورة العنف العائلي على سلوكيات وعلاقات الأفراد في الأسرة وبالتالي على المجتمع ككل انطلاقاً من أن الأسرة نواة المجتمع وأن القاعدة هي أن يعيش الإنسان في أسرة، كما قصد من إبراز هذه النماذج تبين مخالفتها لحقوق الإنسان وصون كرامته وبالتالي تهديد أمنه واستقراره.

** العنف العائلي ضد المرأة :
نظرا لما يمثله العنف العائلي ضد المرأة من أهمية خاصة في مجال تداعيات العنف العائلي ونظرا لأن المرأة في معظم المجتمعات والمتخلفة منها على وجه الخصوص من أكثر الفئات تعرضا للعنف ومن أكثر المتضررين من ممارساته فقد رؤاي إعطاء اهتمام خاص لهذا البعد من ظاهرة العنف العائلي.
جاء في تقرير لصندوق الأمم المتحدة (http://www.un.org/arabic/) للسكان (UNFPA) تحت رقم (ISBN-89714-285-3) ما يفيد بانتشار العنف ضد المرأة في جميع أنحاء العالم وأن ما بين (3.-6.%) من النساء اللاتي يجري استجوابهن يفدن بأنهن تعرضن للضرب على يد شركائهن، ويشير نفس التقرير إلى حدة هذه المشكلة تشتد بشكل معتاد بين الفقراء، ولكنها لا تقتصر عليهم حيث أن إساءة معاملة المرأة جسديا وجنسيا ونفسيا من جانب الذكر والاعتداء الجنسي على البنات الصغيرات (المرأة الطفلة) والعنف العائلي المرتبط بالمهر والاغتصاب وختان الأنثى والتحرش الجنسي، والاتجار بالنساء والدعارة القسرية وإساءة تغذية الطفلة انتقائيا، وتشير بيانات صندوق الأمم المتحدة (http://www.un.org/arabic/) للسكان (UNFPA) إلى جملة من الحقائق فيما يتعلق بمظاهر العنف السالف الإشارة إليها، من ذلك مثلا:
1. تعتبر إساءة معاملة الزوجة في الولايات المتحدة الأمريكية من الأسباب الرئيسية للإصابة بالأذى والضرر بين النساء في سن الإنجاب.
2. وفي ليما عاصمة البيرو أفادت دراسة أجريت في مستشفى لأمراض النساء والولادة بأن (9.%) من الأمهات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 12-14 سنة قد أصبحن أمهات نتيجة الاغتصاب، وأن الغالبية العظمى منهن كان اغتصابهن على يد آبائهن أو أزواج أمهاتهن أو أقاربهن.
3. في الاتحاد السوفيتي (سابقا) قتلت (145..) امرأة وأصيبت بجراح أكثر من (56...) امرأة أخرى على يد أزواجهن .
4. وفي كينيا بلغت نسبة النساء اللواتي جرى استجوابهن في منطقة كيسي (42%) ممن يتعرضن للضرب بصورة منتظمة من طرف أزواجهن.
5. وسجلت في الهند في عام 199. (4835) حالة وفاة بين النساء بسبب المهر.
6. وحسبما ما يشير تقرير صندوق الأمم المتحدة (http://www.un.org/arabic/) للسكان المذكور أفادت دراسة حول ظاهرة الاغتصاب أجريت على عينة عشوائية مكونة من (45.) تلميذة تتراوح أعمارهن بين 13 و 14 سنة إن (13%) من هؤلاء الفتيات تعرضن لمحاولة اغتصاب حتى قبل بلوغهن سن الثانية عشر .
7. ووجدت دراسة استقصائية أجريت في بربادوس وشملت نساء ورجالاً ممن تتراوح أعمارهم بين 2.و45 عاما أن (33%) من النساء و (2%) فقط من الرجال تعرضوا لاعتداء جنسي في مرحلة الطفولة.
8. وفي دراسة أجراها المركز الدولي للبحوث المتعلقة بالمرأة تناولت موضوع النساء العنف المتعلق بالجنس في إطار العلاقات الزوجية الشرعية أن النساء المتزوجات غالبا ما يجبرن على الخضوع لرغبات أزواجهن لممارسة الجنس أو حتى لممارسته بأشكال معينة وإلا تعرضن للعراك والاعتداء بل وحتى الاتهام الأخلاقي.
هذا إذاً بعض مظاهر ممارسة العنف ضد المرأة في إطار مؤسسة الأسرة وذلك على المستوى الدولي، أما على مستوى المجتمع الليبي فإن هذه المظاهر تعتبر من الناحية الرسمية نادرة الحدوث، وذلك لأن مثل هذه الممارسات العنيفة والمضادة للمرأة هي من الأمور التي لا يجوز البوح بها أو الإبلاغ عنها غير أن ذلك لا يعني وجودها أو تكرار حدوثها.
فالتحريض الجنسي والاغتصاب والإجهاض وغيرها ممارسات تحدث بشكل خفي أو غير معلن الأمر الذي يجعل رصدها والتصدي لها أمر في غاية الصعوبة.

** انعكاسات ممارسة العنف على المرأة:


كما سلفت الإشارة حول آثار العنف العائلي، فإن انعكاسات العنف على المرأة في الأسرة ذات أبعاد سلبية على سلامتها النفسية واستقرارها العاطفي واحترام آدميتها واختراق خصوصياتها وتعريض جسدها للأذى، كما أنه يؤثر على فاعليتها في المجتمع وعلى سلامة أطفالها وحسن رعايتهم وتربيتهم. ويؤثر العنف العائلي الموجه ضد المرأة، خاصة ما يتعلق بالاعتداءات الجنسية بشكل سلبي على الصحة الإنجابية للمرأة من ذلك مثلاً أن حالات الحمل التي تنجم عن الاغتصاب غالبا ما تؤدي إلى إجهاض يتم بصورة شعبية وبعيدا عن الضمانات الطبية وبشكل غير قانوني مما يترتب عليه مضاعفات صحية خطيرة قد تصل إلى حد الوفاة، كما أن الاعتداء الجنسي على المرأة، خاصة صغيرات السن قد يدفعهن إلى ممارسة البغاء وبالتالي التعرض للإصابة بأمراض جنسية وتناسلية يأتي على قمتها من حيث الخطورة مرض فقدان المناعة المكتسبة (الإيدز) وفي هذا السياق يشير تقرير صندوق الأمم المتحدة (http://www.un.org/arabic/) للسكان في تقريره بعنوان (دور جديد للرجال؛ شركاء لأجل تمكين المرأة) إلى أن دراسة أجريت على طلبة الكليات في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1993 أكدت على أن الفتيات اللاتي تعرضن لاعتداء جنسي كانت احتمالات تعدد شركائهن أو احتمالات ممارستهن الجنس من أشخاص غرباء لا يعرفوهن أكبر بواقع الضعف ، واحتمالات حملهن قبل سن الثامنة عشر أكبر بواقع ثلاثة أضعاف ممن لم يتعرضن لاعتداء جنسي، وزادت احتمالات ممارسة الدعارة بينهن أربعة أضعاف مقارنة بغيرهن ممن لم يتعرضن لاعتداء جنسي.

زهرة الشمال
09-15-2010, 12:09 PM
** التصدي للعنف العائلي:
تساؤلات كثيرة تتعلق بمنطلقا التصدي لظاهرة العنف عموما والعنف العائلي على وجه الخصوص، فهل العنف سلوك طبيعي في الإنسان؟ أم هو سلوك مكتسب (متعلم) وهل يمكن السيطرة على العنف عموما وعلى العنف العائلي خصوصا في إطار خصوصية كل مجتمع على حدة كالمجتمع العربي مثلا أم أن العنف العائلي يمثل ظاهرة عالمية لا يمكن التعامل معها إلا بشكل شمولي ومن منظور عالمي؟
منذ القدم أشار العلاّمة عبد الرحمن ابن خلدون في مقدمته وبالتحديد في الفص السابع والثلاثين منها بقوله: " اعلم أن الحروب أنواع المقاتلة لم تزل واقعة في الخليقة منذ براها الله وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض … وهذا أمر طبيعي في البشر لا تخلو منه أمة ولا جيل وسبب هذا الانتقام في الأكثر إما غيرة ومنافسة وإما عدوان وإما غضب لله ودينه ".
ويؤكد فرويد وجود النزوة العدوانية، كما يؤيد كل من جاك لاكان وميلاني كلاين وبيار مارتي فطرية هذه النزوة وأن العدوان والعنف قد بدأ منذ أن قتل هابيل أخاه قابيل، بينما يرفض فكرة القول بنزوة عدوانية فطرية علماء من أمثال اريك فروم وزعماء المدرسة السلوكية المحدثة والظواهرية (الفينومينولوجية) من أمثال كارل روجرز و ألبرت باندورا.
وفي كل الأحوال فإننا لسنا بصدد مناقشة النظريات المفسرة لظاهرة العنف والعدوان داخل نطاق الأسرة أو جارجها بقدر ما أوردنا هذه المقدمة لتكون هاديا لنا في اقتراح أساليب التصدي لظاهرة العدوان والعنف العائلي.

وينطلق أسلوب التصدي للعنف العائلي من بعدين رئيسيين أحدهما وقائي والآخر علاجي.
أولا: البعد الوقائي:
1. يرتبط البعد الوقائي بعمليات التنشئة الاجتماعية والتطبيع الاجتماعي حيث ينبغي أن تهتم الأسرة وغيرها من المؤسسات الاجتماعية بتنشئة الفرد وتربيته تربية سوية متوازنة.
إن نمو السلوك العدواني وتعلمه يرتبط كما تشير ميلاني كلاين في تحليلها للأطفال بنوعية التواصل بين الطفل والوسط الذي يعيش فيه فإذا ساد هذا التواصل علاقة الحب والفهم والاطمئنان نشأ الطفل ميالا للتسامح والمحبة مبتعداً عن الضغينة.
في عملية التنشئة الاجتماعية والتعليم يمكن كما يقول هارتمن كريس ولوفنغشتين تحييد الطاقة العدوانية، وهنا يدعو هذان العالمان إلى ضرورة تمكين الطفل وتزويده بالمهارات والخبرات التي تزيد من قوة تحمله وضبط غضبه بحيث تقود التربية والتنشئة إلى تنظيم نفسي متوازن تتيح للفرد أن يملك عتبة تحمل مرتفعة أمام مواقف الغضب والإحباط، كما يصبح أكثر قدرة على تأخير التعبير عن هذه المشاعر، وقوي لا يفقد بسهولة توازنه السيكولوجي، كما يرى كل من بيشوت Pichot ودانجون Danjon ولا يلجأ بسهولة إلى العدوان، وهذه الوضعية كما يشير د. فاردت مجذوب في بحثه حول (دينامية المجال العدواني) عند الإنسان تخفف حدة ما يسمى بالمجال العدواني عند الفرد وذلك بمعنى أن حسن التنظيم النفسي يؤدي إلى تخفف حدة ما يسمى بالمجال العدواني عند الفرد وذلك بمعنى أن حسن التنظيم النفسي يؤدي إلى التخفيف من تواتر وتنشيط الحواجز الداخلية أمام الحواجز الخارجية، وهنا كما يؤكد د. مجذوب تصبح العلاقة بين الذات والآخر بعيدة عن تفجير نرجسيته وهو التفجير الذي يكون عادة مصدراً للشعور بالإحباط ومن ثم العدوانية بأنماطها المختلفة، في مقاربة عمليات التنشئة والتربية الأسرية في علاقتها بتداعيات العنف العائلي تبرر أهمية الجو العائلي في دعم وتأكيد مشاعر الهدوء والاطمئنان والرضا عن النفس الذي ينمو نتيجة التواصل السوي بين الطفل وأبويه، إن تنمية مشاعر الطفل في هذا الاتجاه هو أساس التوازن النفسي والتوافق الاجتماعي وتقبل الذات التي هي أساس لتقبل الآخرين ولا يلغي دور الأسرة في هذا المجال دور المؤسسات والوسائط الاجتماعية الأخرى في الحد من الملكيات العدوانية في اتجاهها الوقائي.
2. ويدخل في إطار الوقاية زيادة وعي أفراد الأسرة بخطورة العنف العائلي وتزويدهم بالمعارف و المعلومات التي تؤدي إلى تطوير إطارهم المرجعي و مخزونهم المعرفي بشكل إيجابي بعيدا عن مظاهر العنف والعدوان.
3. كما أن للإعلام بوسائطه المختلفة في إبراز أهمية علاقات المحبة والعطف وفي عدم نشر أشرطة العنف التي تساعد على نمو مشاعر الكره وترغب في ممارسة العنف
4. ترسيخ وتعميق فهم أفراد الأسرة لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف التي تؤكد على نبذ العدوان انطلاقا من قوله تعالى في سورة البقرة الآية 263: (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم ) .
وقوله في سورة آل عمران الآية 134: ( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ عن الناس والله يحب المحسنين).
وقوله في حسن معاملة الوالدين في سورة الإسراء الآيتين 23و24: ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما (23) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا (24)).
وقوله تعالى في سورة آل عمران الآية 159: " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر…).
وفي القرآن الكريم تحريم للظلم والعدوان وحث على حسن المعاملة وطيب الخلق.
وجاءت السنة النبوية الشريفة شارحة ومبينة ومرشدة للمسلمين وداعية لهم إلى احترام الأبوين وإيثار ذي القربى حقه وضاربة لهم المثل الحسن في العفو عند المقدرة وفي التسامح وطيب المعشر وتحريم الاعتداء على المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم (كل مسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، وهكذا فإن الأخلاقيات الفاضلة التي جاء بها ديننا الإسلامي الحنيف والمتجسدة في تجنب الظلم والعدوان، وفي طيب العشرة وإيتاء ذي القربى حقه واحترام الوالدين والرحمة والابتعاد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن كلها مظاهر تجعل المسلم الملتزم بها محصناً عن ارتكاب الأفعال العدوانية في حق الآخرين، وهنا يمكن الاستشهاد بما أوردته د. عائشة بلعربي من أن العنف لا يستند إلى أية شرعية في الإسلام وخاصة في الحياة الزوجية وذلك لأن العلاقة بين المرأة والرجل في الإسلام تقوم على التفاهم والاحترام المتبادل والحب والتعاون.
5. مراجعة القوانين والتشريعات المضادة للعنف والجريمة وتفعيل الاتفاقيات والمواثيق الدولية من أجل وقاية أوسع واشمل من مظاهر العنف العائلي.
6. ورد في تقرير صندوق الأمم المتحدة (http://www.un.org/arabic/) للسكان تحت عنوان (القضاء على العنف ضد المرأة) ضمن التقرير الشمل، دور جديد للرجال، أن البحوث الانتوغرافية والانثروبولوجية (الإناسية) تشير إلى التوجهات التالية في مجال الوقاية من جرائم العنف العائلي:
أ. زيادة التكاليف الاجتماعية للاعتداء فعندما يحمل المجتمع المعتدين جزاءات اجتماعية قاسية لعدم الدخول في علاقات معهم أو نبذهم فإن لهذه العقوبة المجتمعية أثر وقائي كبير حيث يخشى كل من تسوّل له نفسه ممارسة العنف ضد أفراد عائلته من ردة الفعل الاجتماعية المضادة له.
ب. القضاء على مبدأ التقبل الثقافي لاستخدام العنف لتسوية النزاع والخلاف.
ج. إيجاد مصادر دخل مستقلة للمرأة وتعزيز نفوذها ومكانتها داخل الأسرة.
د. تغيير الأسباب الثقافية المتأصلة لمشكلة العنف العائلي بما في ذلك الطريق التي ينظر بها إلى المرأة.
هـ. تحرير النساء والأطفال من مظاهر الخوف من العنف.
و. تأكيد دور كبار السن والقياديين الاجتماعيين كملاذ لحل المشاكل العائلية بطرق غير اللجوء إلى العنف.
ز. توعية المرأة والرجل بالصحة الإنجابية وبخطورة الزنا والحمل البكر على صحة المرأة وجنينها.


ثانيا: البعد العلاجي:
يقتضي علاج العنف توفر استراتيجيات قابلة للتطبيق ولها طابع الشمولية للقطيعة مع العنف أو كما تقول الأستاذة فاطمة المرنيسي (9: 1993) إحداث قطيعة مع تقليد العنف الممارس ضد الأشخاص بصفة عامة والأطفال والنساء بصفة خاصة، استراتيجية تضمن أمن وسلامة جميع الأفراد أينما وجدوا وكيفما كانوا، وإن أول خطوة في العلاج الجدي لظاهرة العنف العائلي قليلها مرصود وكثيرها مسكوت عنه، وهنا يمكن الإشارة إلى ما جاء في توطنه بحث (النساء والعنف) من أن العمل المحموم على إخفاء ظاهرة العنف أو تبريرها لمختلف التبريرات والذرائع التي تخفي جوهرها أمر لا يؤدي إلا إلى تأصيل أو تعطيل كل إمكانية للعلاج، ومهما كانت أسباب العنف العائلي فإن العلاج ينبغي أن يستهدف بالإلغاء والرفض لفكرة أن صيرورة العنف نمطاً ثقافياً يتناقله الأبناء عن الآباء ويصبح كنوع من القدر المحتوم غير قابل للتغيير أو الإلغاء لأن العنف لا يولد إلا العنف فعندما يمارس الآباء العنف ضد أبنائهم يمارسه هؤلاء ضد غيرهم حتى يصير هذا العنف جزءا من نظام الحياة والتفكير له تواصله عبر الزمان والمكان.
ويرتبط البعد العلاجي بأساليب علمية تنطلق من مبدأ الدراسة والتشخيص لمظاهر العنف العائلي من أجل فهم أسبابه وخصائصه وتداعياته وبالتالي اقتراح الأساليب العلاجية له.

ومن هنا يمكن الإشارة إلى بعض الأبعاد ذات العلاقة بعلاج العنف العائلي والتخفيف من حدة آثاره وذلك على النحو التالي:
1. يقتضي البعد العلاجي مراجعة تقييم النظام القضائي والتشريعي في مجال تجريم العنف العائلي ففي المجتمع العربي الليبي قد يتطلب الأمر مراجعة التشريعات المتعلقة بالجرائم ضد أفراد الأسرة وكيانها وأخلاقياتها في إطار ما يشهده المجتمع من تطور وفي إطار إقرار الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان، وصدور قانون تعزيز الحرية، وكذلك استرشاداً والتزاماً بالاتفاقيات التي صادقت عليها الجماهرية و على الأخص اتفاقية منع كافة أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل.
2. توظيف أساليب العمل الاجتماعي المهني وإنشاء مكاتب للخدمة الاجتماعية بالمحلات تكون مهمتها النظر في حوادث العنف العائلي وإجراء الدراسات اللازمة والمتابعة المستمرة وتعطي لها صلاحيات الضبط القضائي.
3. علاج الآثار المترتبة عن العنف العائلي وعلى الأخص تلك المتعلقة بالصحة الإنجابية للمرأة المعتدى عليها وكذلك الاهتمام بالجوانب النفسية والاجتماعية لضحايا العنف العائلي.
4. قد يتطلب علاج العنف العائلي سلب ولاية الأسرة عن أبنائها و وضعهم مؤسسات متخصصة أو لدى أسر كفيلة ترعاهم بدلا عن أسرهم التي تسيء معاملتهم، وقد نصت المادة (36) من القانون رقم (17) لسنة 1992 بشأن تنظيم أحوال القاصرين ومن في حكمهم على سلب الولاية عن ولي النفس وجوبا في الحالات التالية:
أ) إذا فقد أحد الشروط المبينة في المادة (34) من هذا القانون.
ب) إذا ثبت ارتكابه لجناية أو جنحة ضد المولى عليه-
ج) إذا حكم عليه بصفته أحد الوالدين أكثر من مرّة وبالنسبة لغيره من العصبة مرّة واحدة في إحدى الجرائم التالية:
1. جريمة التقصير في الواجبات العائلية.
2. جريمة سوء استعمال وسائل الإصلاح والتربية.
3. جريمة إساءة معاملة أفراد الأسرة.
4. جريمة إيداع طفل شرعي معترف به في ملجأ اللقطاء أو ما في حكمه.
5. جريمة الزنا أو المواقعة بالقوة أو بالتهديد أو الخداع.
6. جريمة هتك العرض.
7. جريمة تحريض الصغار على الفسق والفجور.
8. جريمة الخطف لإتيان أفعال شهوانية.
9. جريمة الخطف لمن هو دون الرابعة عشر.
1.. جريمة التحريض على الدعارة.
11. جريمة الإرغام علىالدعارة.
12. جريمة استغلال المومسات.
13. جريمة اتخاذ الدعارة وسيلة للعيش والتكسب.
14. جريمة الاتجار بالنساء على نطاق دولي.
15. جريمة تسهيل الاتجار بالنساء.

ونصت المادة (37) من نفس القانون فيما يتعلق بسلب الولاية كعلاج لمشكلة إساءة معاملة القاصرين و ارتكاب جرائم عنف ضدهم على أنه " يجوز سلب الولاية عن ولى النفس كلياً أو جزئياً ، دائما أو مؤقتاً في الأحوال التالية :
أ) إذا قيدت حرية الولي وكان من شأن ذلك الإضرار بمصلحة القاصر.
ب) إذا أساء الولي معاملة المولى عليه أو قصر في رعايته أو كان قدوة سيئة له على نحو يعرض سلامته أو أخلاقه أو تعليمه للخطر.
ويجوز للمحكمة في الأحوال المتقدمة أن تعهد بالقاصر إلى أحد المعاهد أو المؤسسات الاجتماعية المعدة لذلك.
وأشارت المادة (38) فيما يتعلق بسلب الولاية إلى أنه يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب جهة التحقيق، أن تعهد مؤقتا بالقاصر إلى شخص مؤتمن أو إلى معهد خيري أو مؤسسة اجتماعية إلى أن يبث في موضوع الولاية.
هكذا يكون سلب الولاية حلاً لمشكلة العنف العائلي الممارس ضد القاصرين بالأسرة وإبعادهم عندما يتعرضون لمظاهر العنف العائلي وتصبح الأسرة مكانا غير صالح لبقائهم، عن طريق سلب الولاية إذ يجد القاصر من يحميه ويمنع عنه العنف والإساءة بشكل قانون ملزم وواجب.
5) إيجاد مصحات أو مراكز علاج نفسي اجتماعي يلجأ إليها ضحايا العنف العائلي.
6) عدم التهاون في معاقبة مرتكب العنف العائلي خاصة ذلك العنف المقصود حتى يكونون عبرة لمن يعتبر أو حتى يتحقق الردع الخاص والردع العام.

زهرة الشمال
09-15-2010, 12:09 PM
** التصدي للعنف العائلي:
تساؤلات كثيرة تتعلق بمنطلقا التصدي لظاهرة العنف عموما والعنف العائلي على وجه الخصوص، فهل العنف سلوك طبيعي في الإنسان؟ أم هو سلوك مكتسب (متعلم) وهل يمكن السيطرة على العنف عموما وعلى العنف العائلي خصوصا في إطار خصوصية كل مجتمع على حدة كالمجتمع العربي مثلا أم أن العنف العائلي يمثل ظاهرة عالمية لا يمكن التعامل معها إلا بشكل شمولي ومن منظور عالمي؟
منذ القدم أشار العلاّمة عبد الرحمن ابن خلدون في مقدمته وبالتحديد في الفص السابع والثلاثين منها بقوله: " اعلم أن الحروب أنواع المقاتلة لم تزل واقعة في الخليقة منذ براها الله وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض … وهذا أمر طبيعي في البشر لا تخلو منه أمة ولا جيل وسبب هذا الانتقام في الأكثر إما غيرة ومنافسة وإما عدوان وإما غضب لله ودينه ".
ويؤكد فرويد وجود النزوة العدوانية، كما يؤيد كل من جاك لاكان وميلاني كلاين وبيار مارتي فطرية هذه النزوة وأن العدوان والعنف قد بدأ منذ أن قتل هابيل أخاه قابيل، بينما يرفض فكرة القول بنزوة عدوانية فطرية علماء من أمثال اريك فروم وزعماء المدرسة السلوكية المحدثة والظواهرية (الفينومينولوجية) من أمثال كارل روجرز و ألبرت باندورا.
وفي كل الأحوال فإننا لسنا بصدد مناقشة النظريات المفسرة لظاهرة العنف والعدوان داخل نطاق الأسرة أو جارجها بقدر ما أوردنا هذه المقدمة لتكون هاديا لنا في اقتراح أساليب التصدي لظاهرة العدوان والعنف العائلي.

وينطلق أسلوب التصدي للعنف العائلي من بعدين رئيسيين أحدهما وقائي والآخر علاجي.
أولا: البعد الوقائي:
1. يرتبط البعد الوقائي بعمليات التنشئة الاجتماعية والتطبيع الاجتماعي حيث ينبغي أن تهتم الأسرة وغيرها من المؤسسات الاجتماعية بتنشئة الفرد وتربيته تربية سوية متوازنة.
إن نمو السلوك العدواني وتعلمه يرتبط كما تشير ميلاني كلاين في تحليلها للأطفال بنوعية التواصل بين الطفل والوسط الذي يعيش فيه فإذا ساد هذا التواصل علاقة الحب والفهم والاطمئنان نشأ الطفل ميالا للتسامح والمحبة مبتعداً عن الضغينة.
في عملية التنشئة الاجتماعية والتعليم يمكن كما يقول هارتمن كريس ولوفنغشتين تحييد الطاقة العدوانية، وهنا يدعو هذان العالمان إلى ضرورة تمكين الطفل وتزويده بالمهارات والخبرات التي تزيد من قوة تحمله وضبط غضبه بحيث تقود التربية والتنشئة إلى تنظيم نفسي متوازن تتيح للفرد أن يملك عتبة تحمل مرتفعة أمام مواقف الغضب والإحباط، كما يصبح أكثر قدرة على تأخير التعبير عن هذه المشاعر، وقوي لا يفقد بسهولة توازنه السيكولوجي، كما يرى كل من بيشوت Pichot ودانجون Danjon ولا يلجأ بسهولة إلى العدوان، وهذه الوضعية كما يشير د. فاردت مجذوب في بحثه حول (دينامية المجال العدواني) عند الإنسان تخفف حدة ما يسمى بالمجال العدواني عند الفرد وذلك بمعنى أن حسن التنظيم النفسي يؤدي إلى تخفف حدة ما يسمى بالمجال العدواني عند الفرد وذلك بمعنى أن حسن التنظيم النفسي يؤدي إلى التخفيف من تواتر وتنشيط الحواجز الداخلية أمام الحواجز الخارجية، وهنا كما يؤكد د. مجذوب تصبح العلاقة بين الذات والآخر بعيدة عن تفجير نرجسيته وهو التفجير الذي يكون عادة مصدراً للشعور بالإحباط ومن ثم العدوانية بأنماطها المختلفة، في مقاربة عمليات التنشئة والتربية الأسرية في علاقتها بتداعيات العنف العائلي تبرر أهمية الجو العائلي في دعم وتأكيد مشاعر الهدوء والاطمئنان والرضا عن النفس الذي ينمو نتيجة التواصل السوي بين الطفل وأبويه، إن تنمية مشاعر الطفل في هذا الاتجاه هو أساس التوازن النفسي والتوافق الاجتماعي وتقبل الذات التي هي أساس لتقبل الآخرين ولا يلغي دور الأسرة في هذا المجال دور المؤسسات والوسائط الاجتماعية الأخرى في الحد من الملكيات العدوانية في اتجاهها الوقائي.
2. ويدخل في إطار الوقاية زيادة وعي أفراد الأسرة بخطورة العنف العائلي وتزويدهم بالمعارف و المعلومات التي تؤدي إلى تطوير إطارهم المرجعي و مخزونهم المعرفي بشكل إيجابي بعيدا عن مظاهر العنف والعدوان.
3. كما أن للإعلام بوسائطه المختلفة في إبراز أهمية علاقات المحبة والعطف وفي عدم نشر أشرطة العنف التي تساعد على نمو مشاعر الكره وترغب في ممارسة العنف
4. ترسيخ وتعميق فهم أفراد الأسرة لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف التي تؤكد على نبذ العدوان انطلاقا من قوله تعالى في سورة البقرة الآية 263: (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم ) .
وقوله في سورة آل عمران الآية 134: ( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ عن الناس والله يحب المحسنين).
وقوله في حسن معاملة الوالدين في سورة الإسراء الآيتين 23و24: ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما (23) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا (24)).
وقوله تعالى في سورة آل عمران الآية 159: " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر…).
وفي القرآن الكريم تحريم للظلم والعدوان وحث على حسن المعاملة وطيب الخلق.
وجاءت السنة النبوية الشريفة شارحة ومبينة ومرشدة للمسلمين وداعية لهم إلى احترام الأبوين وإيثار ذي القربى حقه وضاربة لهم المثل الحسن في العفو عند المقدرة وفي التسامح وطيب المعشر وتحريم الاعتداء على المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم (كل مسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، وهكذا فإن الأخلاقيات الفاضلة التي جاء بها ديننا الإسلامي الحنيف والمتجسدة في تجنب الظلم والعدوان، وفي طيب العشرة وإيتاء ذي القربى حقه واحترام الوالدين والرحمة والابتعاد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن كلها مظاهر تجعل المسلم الملتزم بها محصناً عن ارتكاب الأفعال العدوانية في حق الآخرين، وهنا يمكن الاستشهاد بما أوردته د. عائشة بلعربي من أن العنف لا يستند إلى أية شرعية في الإسلام وخاصة في الحياة الزوجية وذلك لأن العلاقة بين المرأة والرجل في الإسلام تقوم على التفاهم والاحترام المتبادل والحب والتعاون.
5. مراجعة القوانين والتشريعات المضادة للعنف والجريمة وتفعيل الاتفاقيات والمواثيق الدولية من أجل وقاية أوسع واشمل من مظاهر العنف العائلي.
6. ورد في تقرير صندوق الأمم المتحدة (http://www.un.org/arabic/) للسكان تحت عنوان (القضاء على العنف ضد المرأة) ضمن التقرير الشمل، دور جديد للرجال، أن البحوث الانتوغرافية والانثروبولوجية (الإناسية) تشير إلى التوجهات التالية في مجال الوقاية من جرائم العنف العائلي:
أ. زيادة التكاليف الاجتماعية للاعتداء فعندما يحمل المجتمع المعتدين جزاءات اجتماعية قاسية لعدم الدخول في علاقات معهم أو نبذهم فإن لهذه العقوبة المجتمعية أثر وقائي كبير حيث يخشى كل من تسوّل له نفسه ممارسة العنف ضد أفراد عائلته من ردة الفعل الاجتماعية المضادة له.
ب. القضاء على مبدأ التقبل الثقافي لاستخدام العنف لتسوية النزاع والخلاف.
ج. إيجاد مصادر دخل مستقلة للمرأة وتعزيز نفوذها ومكانتها داخل الأسرة.
د. تغيير الأسباب الثقافية المتأصلة لمشكلة العنف العائلي بما في ذلك الطريق التي ينظر بها إلى المرأة.
هـ. تحرير النساء والأطفال من مظاهر الخوف من العنف.
و. تأكيد دور كبار السن والقياديين الاجتماعيين كملاذ لحل المشاكل العائلية بطرق غير اللجوء إلى العنف.
ز. توعية المرأة والرجل بالصحة الإنجابية وبخطورة الزنا والحمل البكر على صحة المرأة وجنينها.


ثانيا: البعد العلاجي:
يقتضي علاج العنف توفر استراتيجيات قابلة للتطبيق ولها طابع الشمولية للقطيعة مع العنف أو كما تقول الأستاذة فاطمة المرنيسي (9: 1993) إحداث قطيعة مع تقليد العنف الممارس ضد الأشخاص بصفة عامة والأطفال والنساء بصفة خاصة، استراتيجية تضمن أمن وسلامة جميع الأفراد أينما وجدوا وكيفما كانوا، وإن أول خطوة في العلاج الجدي لظاهرة العنف العائلي قليلها مرصود وكثيرها مسكوت عنه، وهنا يمكن الإشارة إلى ما جاء في توطنه بحث (النساء والعنف) من أن العمل المحموم على إخفاء ظاهرة العنف أو تبريرها لمختلف التبريرات والذرائع التي تخفي جوهرها أمر لا يؤدي إلا إلى تأصيل أو تعطيل كل إمكانية للعلاج، ومهما كانت أسباب العنف العائلي فإن العلاج ينبغي أن يستهدف بالإلغاء والرفض لفكرة أن صيرورة العنف نمطاً ثقافياً يتناقله الأبناء عن الآباء ويصبح كنوع من القدر المحتوم غير قابل للتغيير أو الإلغاء لأن العنف لا يولد إلا العنف فعندما يمارس الآباء العنف ضد أبنائهم يمارسه هؤلاء ضد غيرهم حتى يصير هذا العنف جزءا من نظام الحياة والتفكير له تواصله عبر الزمان والمكان.
ويرتبط البعد العلاجي بأساليب علمية تنطلق من مبدأ الدراسة والتشخيص لمظاهر العنف العائلي من أجل فهم أسبابه وخصائصه وتداعياته وبالتالي اقتراح الأساليب العلاجية له.

ومن هنا يمكن الإشارة إلى بعض الأبعاد ذات العلاقة بعلاج العنف العائلي والتخفيف من حدة آثاره وذلك على النحو التالي:
1. يقتضي البعد العلاجي مراجعة تقييم النظام القضائي والتشريعي في مجال تجريم العنف العائلي ففي المجتمع العربي الليبي قد يتطلب الأمر مراجعة التشريعات المتعلقة بالجرائم ضد أفراد الأسرة وكيانها وأخلاقياتها في إطار ما يشهده المجتمع من تطور وفي إطار إقرار الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان، وصدور قانون تعزيز الحرية، وكذلك استرشاداً والتزاماً بالاتفاقيات التي صادقت عليها الجماهرية و على الأخص اتفاقية منع كافة أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل.
2. توظيف أساليب العمل الاجتماعي المهني وإنشاء مكاتب للخدمة الاجتماعية بالمحلات تكون مهمتها النظر في حوادث العنف العائلي وإجراء الدراسات اللازمة والمتابعة المستمرة وتعطي لها صلاحيات الضبط القضائي.
3. علاج الآثار المترتبة عن العنف العائلي وعلى الأخص تلك المتعلقة بالصحة الإنجابية للمرأة المعتدى عليها وكذلك الاهتمام بالجوانب النفسية والاجتماعية لضحايا العنف العائلي.
4. قد يتطلب علاج العنف العائلي سلب ولاية الأسرة عن أبنائها و وضعهم مؤسسات متخصصة أو لدى أسر كفيلة ترعاهم بدلا عن أسرهم التي تسيء معاملتهم، وقد نصت المادة (36) من القانون رقم (17) لسنة 1992 بشأن تنظيم أحوال القاصرين ومن في حكمهم على سلب الولاية عن ولي النفس وجوبا في الحالات التالية:
أ) إذا فقد أحد الشروط المبينة في المادة (34) من هذا القانون.
ب) إذا ثبت ارتكابه لجناية أو جنحة ضد المولى عليه-
ج) إذا حكم عليه بصفته أحد الوالدين أكثر من مرّة وبالنسبة لغيره من العصبة مرّة واحدة في إحدى الجرائم التالية:
1. جريمة التقصير في الواجبات العائلية.
2. جريمة سوء استعمال وسائل الإصلاح والتربية.
3. جريمة إساءة معاملة أفراد الأسرة.
4. جريمة إيداع طفل شرعي معترف به في ملجأ اللقطاء أو ما في حكمه.
5. جريمة الزنا أو المواقعة بالقوة أو بالتهديد أو الخداع.
6. جريمة هتك العرض.
7. جريمة تحريض الصغار على الفسق والفجور.
8. جريمة الخطف لإتيان أفعال شهوانية.
9. جريمة الخطف لمن هو دون الرابعة عشر.
1.. جريمة التحريض على الدعارة.
11. جريمة الإرغام علىالدعارة.
12. جريمة استغلال المومسات.
13. جريمة اتخاذ الدعارة وسيلة للعيش والتكسب.
14. جريمة الاتجار بالنساء على نطاق دولي.
15. جريمة تسهيل الاتجار بالنساء.

ونصت المادة (37) من نفس القانون فيما يتعلق بسلب الولاية كعلاج لمشكلة إساءة معاملة القاصرين و ارتكاب جرائم عنف ضدهم على أنه " يجوز سلب الولاية عن ولى النفس كلياً أو جزئياً ، دائما أو مؤقتاً في الأحوال التالية :
أ) إذا قيدت حرية الولي وكان من شأن ذلك الإضرار بمصلحة القاصر.
ب) إذا أساء الولي معاملة المولى عليه أو قصر في رعايته أو كان قدوة سيئة له على نحو يعرض سلامته أو أخلاقه أو تعليمه للخطر.
ويجوز للمحكمة في الأحوال المتقدمة أن تعهد بالقاصر إلى أحد المعاهد أو المؤسسات الاجتماعية المعدة لذلك.
وأشارت المادة (38) فيما يتعلق بسلب الولاية إلى أنه يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب جهة التحقيق، أن تعهد مؤقتا بالقاصر إلى شخص مؤتمن أو إلى معهد خيري أو مؤسسة اجتماعية إلى أن يبث في موضوع الولاية.
هكذا يكون سلب الولاية حلاً لمشكلة العنف العائلي الممارس ضد القاصرين بالأسرة وإبعادهم عندما يتعرضون لمظاهر العنف العائلي وتصبح الأسرة مكانا غير صالح لبقائهم، عن طريق سلب الولاية إذ يجد القاصر من يحميه ويمنع عنه العنف والإساءة بشكل قانون ملزم وواجب.
5) إيجاد مصحات أو مراكز علاج نفسي اجتماعي يلجأ إليها ضحايا العنف العائلي.

6) عدم التهاون في معاقبة مرتكب العنف العائلي خاصة ذلك العنف المقصود حتى يكونون عبرة لمن يعتبر أو حتى يتحقق الردع الخاص والردع العام.