المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العقاب البدني والعقاب المعنوي


معلم متقاعد
07-01-2010, 03:06 AM
العقاب البدني والعقاب المعنوي

ناهده محمد علي

انواع العقاب المعنوي تحدده ظروف مختلفه مثل العمر والحالة الصحية والعقلية، الحالة المعاشية، مستوى ثقافة الوالدين، مستوى المخالفة أو تكرارها، الفترة الزمنية للعقاب والفترة الزمنية التي تعقب المخالفة، اما بالنسبة للعقاب الجسدي فإن من الملاحظ أنه قد مُِنعَ في دول كثيرة من الغرب وهو ممنوع أيضاً في الدول المتخلفة والنامية بقوانين، لكن هناك الكثير ممن يدور حول القانون والانظمة التعليمية ليطبق قانونه الخاص .
ان منفذي العقاب الجسدي قد يكون الوالدين أو المدرسين وهو في كل الاحوال مصحوب بالقسوة والضرب على مناطق مختلفة ظاهرة وباطنة من جسم الطفل مما يسبب تشويه جسدي وكدمات بالاضافة الى التشويهات الروحيه، وقد يسبب هذا الرغبه في تمرير مشاعر قديمه لدى أ حد الوالدين او المدرسين تتسم بالعنف أو الانتقام أو ربما التلذذ برؤية طفل يتعذب كما تعذب هذا الشخص المُعاقِب مما يشعره بطبيعيّته لتعميم ظاهرة القهر الجسدي على اكبر مساحة ممكنة من المجتمع الذي من حوله، وهكذا تتشكل سلسلة من القهر الجسدي على الاطفال والمراهقين من قبل البالغين.
ان كثيراً ما نرى أحد الوالدين المتضررين بالاذى الجسدي من قبل عائلته يعيد الكرّه مع اطفاله ويمارس نفس الاساليب بدعوى العقاب على مخالفات لا يمكن التغاضي عنها، وكثيراً ما لا يستطيع الاطفال وقف هذه المحاولات وردود الافعال لديهم تكون عادة بالبُكاء أو التوقف عن الطعام أو النوم أو الجمود الجسدي والروحي بساعات أو أيام، ويكون هذا العقاب لأسباب اساسية أحياناً مثل استخدام لغه سيئه للحديث أو الكذب والفشل الدراسي، أو اسباب غير اساسيه مثل نسيان أو ضياع حاجيات المدرسه أو الاهمال في المظهر أو التسبب ببعض التلف في مكونات البيت أو الملابس، لكن النتيجه واحده وهي ان العقاب البدني يؤدي الى احباط نفسي وروحي قد يصاحب الطفل طوال حياته ويسبب له عائقاً في أقامةالعلاقات والنجاحات المدرسية أو المهنيه، وأخيراً في اقامة علاقات صحيه مع اطفاله في المستقبل أو شريك حياته.

العقاب المعنوي :
لهذا العقاب فوائد كثيره في حالة عدم جدوى التشجيع والتحفيز والذي يشكل عاملاً مهماً اثبتت الدراسات النفسيه أهميته وجدواه وأفضليته على العقاب المعنوي، حيث تقدم انواع من المحفزات لتغيير الافعال أو ردود الافعال، فهي بالاضافه الى تشجيعها للاطفال على الاتجاهات السليمه في الحياة والدراسه والعمل وعلى الرغبه في التكامل والتقليل من الخطأ لأجل الحفاظ على انواع المحفزات من قبل الطفل سواءً كانت هذه المحفزات ماديه أو معنويه مما يخلق سلسله من الافعال الايجابيه وردود الافعال السليمه والصحيه كالعرفان بالجميل والمحبه والتفاؤل بوجود واجهات جميله للجهود المبذوله والتي هي الجوائز والمحفزات. ويظهر على الاكثر ان علاقة هؤلاء الاطفال بأهليهم ومدرسيهم تكون اكثر صفاء وخاليه من الاحقاد والاحباطات والخوف والقلق من انواع العقاب المفروض مما يطور اعمالهم الى الافضل بدون هدم معنوي لبناء الشخصيه لديهم ويخلق منهم شخصيات قويه ومتفاعله وتقل نسبة الاحقاد، وقد تكون المحفزات تصاعديه حسب الجهد المبذول وحسب قدرات العائله والمدرسه على ان لا تمهد للشعور بالابتزاز والاستغلال حيث على الوالدين والمدرسين تفادي ذلك منذ بدايته.
ان العقاب المعنوي يستخدم في حالة عدم جدوى اسلوب التحفيز أو التشجيع، وفي حالة استمرار الخطأ من قبل الابناء بعد استنفاذ اسلوب الارشاد والنصح وشرح مخاطر التمادي في الخطأ في العمل البيتي أو المدرسي أو الاهمال والنسيان واستخدام لغه ومفردات سيئه أو أي سلوك غريب وعدواني مع زملائه واخوته، وقد تكون الاسباب لهذا كثيره وبعضها يرسخ في أسس البيت وارجائه واسلوب تعامل العائله مع بعضها، أو في المدرسه واساليبها التربويه أو مجمع الاصدقاء والزملاء الذين يحيطون بالطفل لذا يجب معالجة هذه الاسباب الاساسيه وتغييرها داخل محيط الطفل، اذا انها تشكل القاعده لأي تغيير ومن ثم يبدأ استخدام العقاب المعنوي والذي يكون مختلفاً حسب مدى اهمية الذنب المرتكب ويتكون من نماذج مختلفه للعقاب مثل قطع المصروف اليومي أو الحرمان من مشاهدة التلفزيون أو المجلات المحببه والحرمان من الخروج للنزهه أو المساهمه في فعاليات البيت أو المدرسه ثم الحرمان من الحلوى المفضله أو المشروبات على ان لا يتعدى هذا الى الحرمان من الوجبات الاساسيه لانه في هذه الحاله يشكل عقاباً بدنياً .

ان من الضروري ان يكون العقاب موضوعاً بعد الخطأ مباشرة ولا يُنتظر فتره طويله بعد ارتكاب الذنب لكي لا ينسى الطفل ذنبه ويصبح الموضوع مجرد انتقام بالنسبه له من قبل المدرسين أو الوالدين، ويقابل هذا الطفل بكبت لمشاعر حزينه ومتشنجه وباعتقاد أن كل من يحيطون به لا يضمرون له إلا السوء ولا يرى خطأه المُقتَرَف، كما أن الحاله تكون مشابهه اذا كان نوع العقاب وكمَه غير مساويين لحجم الخطأ، كأن يُقطع منه المصروف اليومي لفتره طويله لنسيانه مثلاً لصندوق طعامه في المدرسه أو تعنيفه امام اصدقائه بشده لتأخره في اللعب، وعلى هذا الاساس يجب ان يتصرف الوالدين والمدرسين بدقه شديده وبحساسيه مشابهه لحساسية الطفل وان لا يتأخروا في وضع العقاب لكي لا يفقد تأثيره ويأتي بردود أفعاله معاكسه .
اما بالنسبه للاساليب التربويه المدرسيه في تحديد العقاب المعنوي فهي مختلفه من مدرسه الى اخرى ومن مدرس الى آخر ومن مجتمع الى آخر فقد يتشدد مجتمع ما في تحديد مستوى العقاب وكثيراً ما يصل في الشرق المتوسط الى انواع من العقاب المعنوي المتشدد، وفي الغالب يسود النظام التربوي والتعليمي في كل العالم رؤيه واحده للعقاب المعنوي ويتدرج من التنبه والتعنيف والعزل عن بقية الطلاب لساعات محدده والحرمان من فترة الاستراحه أو تكليف الطالب ببعض الاعمال الصفيه المخففه مثل تنظيف الصف أو تنظيمه أو تنظيف حديقة المدرسه وما الى ذلك مما لا يعتبر جهداً شاقاً للطالب، والهدف من هذا هو تطوير سلوك الطالب واحساسه بالمسؤوليه تجاه عمله الصفي وعلاقاته المدرسيه. وقد يتطلب الأمر وقتاً طويلاً وصبراً غير محدود مع البعض ونجاح ملموس وسريع مع البعض الآخر من الطلاب، ويعود هذا لنوع الطالب ومستوى الادراك لديه وسرعة ردود افعاله للتصويب الحاصل لأخطائه وتقبله. وفي الاغلب لا يتوقع التغير السريع لأي طالب مقصر أو مهمل أو سئ السلوك بل يجب أن تمر العمليه التربويه بطريق طويل لكي تكون النتائج عميقه ومضمونه .

إن خلفية الهدف لأستخدام العقاب المعنوي من قِبل المدرس لا يجب ان تكون شخصيه أو تعبر عن تأزم شخصي سابق وهي القاعده نفسها المطبقه على الوالدين لكي لا تكون الحياة الشخصيه السابقه لكل من المدرس أو أحد الابوين هي الاساس في تحديد نوع العقاب ومداه لكي لا تشكل الاخطاء المعاشه من الجيل السابق امتداداً لها في الجيل اللاحق، والحلول في هذه الحاله تكون مستعصيه وغير ممكنه لأن الرغبه الصادقه في التغيير الايجابي لدى جيل الآباء والمدرسين ستكون مفقوده وكل ما سيتبقى هو الرغبه في الانتقام الغير واعي بحجة التغيير .
ولو عدنا الى الخلفيه الاجتماعيه العائليه والمدرسيه لوجدنا ان كثيراً من مشاكل السلوك والاهمال في العمل المدرسي تجد لها اسباباً في الحياة العائليه والمدرسيه، ولو تساءلنا لماذا يسلك طالب معين سلوكاً مرفوضاً في المدرسه كأن يصفع أحد زملائه لسبب ما أو يرمي صندوق طعام زميله في القمامه، ولو بحثنا عن السبب في البيت لوجدنا ان خللاً ما يحدث في التعامل بين الوالدين وربما في الشجار المستمر الذي يخلق توتراً مستمراً في البيت ويخلق عذاباً مستمراً للطالب مما يكوّن لديه مشاعر انتقاميه مختلفه. تقول الباحثه الانكليزيه"بيني باركس" [ان الطفل المتضرر والمدمر يكون خائفاً ومخرب النفسيه وغاضب وحامل للذنب ولديه ردود افعال خائفه وغاضبه فهو يردد مع نفسه كلمات مثل "سأعود لأنتقم" أو "الكل يكرهني" وبأنه سيسبب الاذى للآخرين مثلما سُبب له الاذى ويردد اكره الجميع كما يردد كلمات تُعبر عن إحساس الاحباط مثل "استحق هذا" أو مثل "انا سئ وقذر ومهدم وملوث ولا يجب ان اكون سعيداً"]70

ان الاحساس بالغضب قد يستجمعه الطفل ثم يصبه على نفسه أو أحياناً على الآخرين، فهل نضع العقاب فبل ان نعالج السبب ؟ لا اعتقد انه سيكون مجدياً بل ستكون هناك سلسله من العقوبات متصله وغير مُجديه .
هناك جذور اخرى لأخطاء الطالب السلوكيه مثل حالات الطلاق بين الوالدين والحياة ضمن عوائل مطلقه وهؤلاء تتوضح لديهم ظواهر لسوء السلوك المدرسي. تقول الباحثه الانكليزيه "روزمري ويلس" [بأن حوالي 2 من كل 3 من الاطفال الذين يعيشون في عوائل مطلّقه تظهر لديهم علامات متغيره في سلوكهمgالمدرسي ويفتقدون الى التركيز ويتميزون بأحلام اليقظه وسلوك عدواني ومضاد للمجتمع بالتدريج، ويكون خطراً وخشناً وهذا ما يخرب العلاقات الصداقيه للأطفال وما يشعرهم بالانعزال عن الكثير من الاطفال، والكثير منهم يعانون من صعوبات في تنفيذ الواجب البيتي بسبب المعارك الليليه بين الوالدين ويعاني الاطفال من وضع صعب وغير مستقر بسبب تغيير البيت بالنسبه لاولاد المطلقين فهم مَرّه مع الاب ومَرّه مع الام والكثير من المعلمين يعتقدون بأن المدرسه بالنسبه لهؤلاء الاطفال هي جنه مطمئنه وهي المكان الذي يستطيعون فيه نسيان القلق البيتي والازعاج. وبخصوص تأثير المستوى الاخلاقي على المستوى المدرسي تذكر الكاتبه ايضاً بأن الكثير من المدرسين يعتقدون بأنه من المستحيل فصل الثقافه الشخصيه الاجتماعيه عن الثقافه الاكاديميه]71Cop

أن الثقافه الشخصيه التي يكتسبها الطالب في البيت من خلال معايشة الوالدين قد تكون مشوهه أو ناقصه أو مغلوطه بسبب المفاهيم الخاطئه التي يحملها كل من الوالدين عن العلاقه العائليه وعن المجتمع وربما عن الحياة الاجتماعيه ومؤولية رعاية الاطفال . كل هذه المفاهيم تؤثر بشكل سلبي على الاولاد أما إذا كان الوالدين مطلقين أو على مشارف الطلاق فإن مايتعلمه الاطفال ويكتسبونه من خبرات تؤثر تأثيراً سلبياً على الحياة القادمه للاطفال وحتى فترة النضوج، وتبقى المدرسه هي المكان الذي يفرغ فيه الطالب طاقاته وحيويته وفرحه واحزانه، واذا ما أخطأ فيجب على المدرسين التفكير جيداً قبل وضع العقاب ونوعه ومداه لئلا يُشكل ثقلاً مُضافاً على احاسيس الطالب ومشاعره وقد يكون الطالب ضحيه لشراسة الطلاب الآخرين، فلمن يكون العقاب وما نوع العقاب في هذه الحاله؟
ان سلوك المدرس يجب أن يكون منزهاً من كل الاغراض والاندفاعات الشخصيه وتأثير التجارب الشخصيه السابقه لكي ينظر الى المشكله كقاضٍ عادل ومُربي فاضل ويضع كل طالب في مكانه الصحيح، ولكي يمنع انتشار مشكلة الشراسه بين الطلاب الذكور خاصةً، يذكر الدكتور "ريتشارد وولفسون" حول موضوع الشراسه [بأن30% من الطلاب أما مُستشرسين أو ضحايا لشراسة الطلاب الآخرين ويأخذ هذا أشكال مختلفه من العُنف الجسدي واستخدام اليد للضرب والرجل للركل والايقاع بالضحايا لابتزاز المال أو التهديد بألاعتداء أو الازعاجات العنصريه، ومشاهد الشراسه مختلفه من طالب الى آخر وظواهرها هي الكدمات أو الجروح والخوف من المدرسه وضياع الاحتياجات الخفيفه مثل صندوق الطعام أو النقود وعلى العائله والاداره والمعلمين ان يكتشفوا الشراسه ويمنعونها وعلى العائله ان تُعلم الاطفال على البقاء في اماكن آمنه في المدرسه وليست معزوله وان لا يُخفي الاطفال آثار الضرب والشراسه بسبب الخوف وان لا يقوموا بالثأر من الآخرين بالمثل]72

وهكذا يُعلم كل من المدرسه والبيت الطالب ان يكون مُهذباً وغير ممارس للعدوان والعُنف، واذا جرب الوالدين والمدرسين كل الاساليب الممكنه مع المستشرسين من الاولاد ولم تنجح هذه الاساليب فإن العقاب المعنوي يكون في هذه الحاله ضرورياً وعلى ان يعقب ممارسة الخطأ مباشرة. وان كانت ممارسة الشراسه في البيت مع الاخوه الصغار او الاصدقاء أو حتى مع الوالدين فيجب ان يقوم الوالدين في هذه الحاله بالسيطره الحقيقيه على الاولاد أو السيطره الايجابيه والتي تكون ذات اهداف صحيحه لغرض تطوير الاولاد وتغيير نماذج السلوك لديهم في البيت. يقول الباحث الامريكي "لاري ب. سلفر" [ان الوالدين يجب ان يستعيدوا السيطره على الاولاد واذا كانت السيطره سلبيه فهي غير صحيه وغير مُجديه ويجب أن يتعلم الاطفال نماذج للسلوك يَقتدون بها قبل الدخول الى المدرسه والى المجتمع، او ان يتعلم الطفل تكنيك جديد للعمل مع العائله وأن يتعامل مع الضغوط، وقليلاً ما نرى طفلاً يخرج عن السيطره في البيت يسلك بشكل جيد في المدرسه أو مع الاخرين من الاصدقـاء قرب البيـــت]73
وعلى هذا الاساس فإن السيطره الايجابيه على الاطفال قدتمنع استخدام العقاب ولا يضطر الوالدين أو المدرسين الى خلق وضع استثنائي أو حالة توتر اضطراري مؤقت لوضع حدود العقاب بل تكون العلاقه المُسيطَر عليها هي علاقه طبيعيه بحدود موضوعه مُسبقاً ودائميه للسلوك ولاسلوب الحياة تجعل الطفل يعيش حالة استقرار حسي دائم ولديه معرفه مُسبقه لحدود تصرفه اي الحدود الفاصله ما بين الخطأ والصح والعكس ولكي يعلم الطفل حدود أفعاله الصحيحه، ومن أين تبدأ حقوقه واين تنتهي وتبدأ حقوق اللآخرين. وهكذا يعيش الأولاد في حالة السيطره الايجابيه حالة استقرار نفسي ووضوح عقلي لكيفية التعامل مع الآخرين ومع الذات .
ان التعامل الصحيح مع الآخرين لا يتعلمه الاولاد منذ الولاده أو بالصدفه بل يحتاج الى جهود عمليه من قِبل الوالدين أو جهود المدرسين بعد الدخول الى المدرسه، ويتوافق دائماً السلوك الغير مُرضي مع الفشل الدراسي للطالب، ويرى الكثير من الباحثين بأن التأخر الدراسي يخلق مع الطالب حاله من المشاكل السلوكيه لأن الفشل الدراسي يكوّن حالات من الاحباط والغضب وعدم الرضى عن النفس والخوف ثم الغيره من الطلبه المتفوقين والرغبه في العُنف لميل الطالب الى الشعور بلذة عذاب الآخرين لأنه هو الآخر يعيش عذاباً نفسياً بسبب الفشل الدراسي وغضب الوالدين والمعلمين الدائم .
ويلاحظ أيضاً ان الدخول الى المدرسه بعادات سلوكيه سيئه يساهم كثيراً في عدم تطور الطفل وعدم اكتسابه للمعلومات. وهكذا نلاحظ أن السلوك والعمليه التعليميه يؤثر كل منهما على الآخر بشكل ايجابي وسلبي، تذكر الباحثه النيوزيلنديه "كين مك الروي" [بأن بعض الأطفال يدخلون المدرسه بسلوك شاذ والذي يسبب مشاكل تعليميه ، وبعضهم يدخلون المدرسه بسلوك قريب من الطبيعي ولديهم مشاكل تعليميه ثم يرتبط مع هذا مشاكل سلوكيه بسبب عدم تعلمهم وفشلهم ويشعرون بالتضايق من أنفسهم وتكون النتيجه هي السلوك غير المقبول، ودراسة هذه الحالات وتأريخها يُبين أن عُمق النجاح في التعلم يُقلل المشاكل السلوكيه أو تختفي ويطور السلوك نحو الافضل ويجب رفع الميل والمستوى الدراسي أولاً ثم بعدها يُلاحظ تطور في السلوك]74

إن التأثير الأكبر في هذه الحاله هو في توفر كم من الرضى عن النفس لدى الطالب وكم من التوازن النفسي يُبعده عن المشاكل السلوكيه لكن هذا لن يتوفر إلاّ بوجود عائله تنظم بشكل جاد التطور السلوكي للأولاد وتُرسخ فيهم القيم الصحيحه للأخلاق وبضمنها قيمة العمل الجاد والرغبه في الدراسه ومتى ماتوفرت هذه القيم والمعاني في تربية الطالب لايعود العقاب ضروره مُلحه في حياة هذا الطالب .
إن توفر هذه المستلزمات هو عامل مهم لتطوير شخصية الطالب مع توفر عامل النموذج الأمثل والذي يقتدي به الطلاب ذكوراً أو اناثاً ويكون عادة للذكور هم الآباء وللأناث الامهات أو المدرسات، وإذا وجد الطالب النموذج المُقتدى به فإن حياته ستكون أسهل بكثير وبدون الكثير من الفشل والعقوبات. أن قمع الجانب العدواني والفاشل في شخصية الأولاد يكوّن نتائج ايجابيه، لكن هذا يعتمد على نسبة هذا القمع ومدى الكبت لردود الأفعال لهؤلاء الأولاد والمراهقين. ان نوع القمع هذا لايجب أن يكون شديداً ومستمراً آخذين بنظر الاعتبار نوع البناء الشخصي لهؤلاء المراهقين واضعين في الأحتمال كم من الأنفجارات لدى المراهق عند العقاب وعدد من ثورات الغضب والرفض والأعتداد بالرأي الخاطئ بنظر الآباء، ويجب في هذه الحاله منح المتنفس الكافي لهؤلاء الأولاد للتعبير عن الرأي مع استمرار التوجيه والتحذير حتى الوصول الى هدف التغيير، تذكر الباحثه الانكليزيه "جيريميا إبرامس" بهذا الخصوص [ان قمع الجانب السلبي والمشاعر الازدواجيه المتضاربه للطفل نحو والديه إذا كان القمع عميقاً فسيتدخل جداً في اسلوب التعبير عن هذه المشاعر السلبيه والكثير منهم يُعبر عن محبته بعد إحساسه بعدم الاكراه على كظم الجانب السلبي هذا]75

إن محاولات التغيير لايمكن أن تجري في أي عائله بدون اعتراض من قبل الأولاد أحياناً والوالدين أحياناً كثيره، ويجب في هذه الحاله فسح المجال واسعاً للتعبير عن الرأي، اما وضع العقاب فيجب أن يعقب الأصرار على الخطأ بعد تكرار التوجيه .
ان المهم في الأمر أن يحافظ الوالدين على السلوك المتحضر مع الأولاد وان يُعلموا الأولاد السلوك الهادي والمسالم حتى ولولم يقتنعوا بآراء الآخرين، لكن هذا السلوك لايولد مع الأولاد بل يُتعلم من الوالدين، ويضرب الوالدين لهم المثل الصحيح في التعامل المسالم بدون رغبه في العدوان والعنف لكن اكتساب المعلومات واكتساب الأساليب الصحيحه للسلوك يجب أن يكون بدون قسر أو عدم اقتناع، وكثيراً مانلاحظ ان الاولاد يدّعون القناعه إرضاءً للوالدين أو خوفاً منهم أومن معلميهم ويظهر رفضهم على شكل انفجارات قصيرة المدى أو طويله حسب أوضاع الطفل النفسيه، تذكر الباحثتان الانكليزيتان "جين روب وهيلاري ليتس" [إن تعلم السلوك الهادي والمسالم هو شئ يحتاج الى توجيه وتطبيق وكل حاله تحتاج الى ضبط دقيق لكي يكون السلوك ملائماً، وان الناس الذين يسلكون بشكل جيد هم تعلموا أن يسلكوا بشكل جيد حتى ولو لم يتذكروا كيف تعلموا ذلك وإذا تعلم الطفل السلوك الحسن من الوالدين بشكل جيد فسيتعلم من الآخرين ايضاً]76
إن الأطفال والمراهقين يتعلمون بالتدريج من البيئه الخارجيه ومن المحيطين تفصيلات الحياة وكيفية التعامل مع مشاكلها ومتطلباتها ولايمكن ان يُتعلم هذا بسرعه وبشكل مفاجئ ويجب إعطاء الوقت الكافي لهم للتعلم قبل التفكير بوضع العقوبات الملائمه لردع الأخطاء، وقد يكتشف الوالدين بعد تنفيذ العقاب بأنهم تسرعوا كثيراً وإن الأولاد ليسوا عقولاً آليه تُشحن بالمعلمات وتبرمج بل ان عقولهم تعمل بشكل مختلف تماماً إذ أن شحنها بالمعلومات والتعليمات لايعني أن تنفيذها سيكون بالضغط على زر التشغيل بل يقع عقل الطفل تحت ضغوط مختلفه منها ذاتيه ترتبط برغبات أومخاوف ومشاعر مختلفه تخص نوع القيّم والعادات الذاتيه، ويقع أيضاً تحت ضغط الظروف الموضوعيه من حوله ونوع الزملاء والأصدقاء المحيطين به وحتى نوع الأفلام التي يشاهدها والقصص التي يقرأها. لذا يجب على الوالدين والمعلمين التروي كثيراً حتى يوضع العقاب المعنوي بأسسه الصحيحه .
لقد لاحظت في دول متطوره مثل نيوزيلند بأن العقاب المعنوي يأخذ شكلاً متدرجاً وهادئاً مثل الحديث المنفرد بين المعلم والطالب ثم يصل الى التنبيه أمام الفصل المدرسي وينتهي بوضع "الكارت الأصفر" والذي يُبيّن جُهد الطالب اليومي وسلوكه، وإذا كثُرت المؤشرات السيئه للسلوك والدراسه، تقوم المدرسه بحجز الطالب ساعه بعد ساعات الدوام المدرسي في فصل خاص وإعطاء الطالب بعض الواجبات اثناء هذه الساعه وحرمان الطالب في البيت من مشاهدة التلفزيون أو المحادثه عن طريق الانترنيت أو الخروج للنزهه .
ويجب الاشاره الى ناحيه هامه جداً في هذه المشكله وهي إن أسباب العقاب تتعدد وتتنوع في الدول التي يرتفع بها المستوى التكنولوجي والحضاري وتتشعب بها المشاكل الاجتماعيه وتتعدد بها مطاليب الطلاب ورغباتهم ومستوى رفضهم للقيّم القديمه ورغبتهم في خلق قيّم جديده لأنفسهم والتي تعتمد على حرية السلوك الفردي، وتناول المخدرات والمسكرات والايمان بالفلسفه الميكيافيليه وبأن الغايه تبرر الوسيله، ويتصرف الشباب على ضوء هذا بإعطاء الضوء الأخضر لكل سلوك جديد أو متطرف أو منحرف للوصول الى الأهداف والتي كثيراً ماتكون شخصيه وماديه بحته، وتتخذ الأنظمه التعليميه أساليب مختلفه قد تكون متشدده أو متساهله أحياناً من العقاب حسب مستوى المشكله للطالب، لكن المشاكل الاجتماعيه كما ذكرت كلما إزدادت كلما إزدادت أيضاً مخالفات الطلاب ومشاكلهم النفسيه كتعبير عن الضياع والخوف والقلق الاجتماعي وعدم الاطمئنان لوجود الشخص ومكانته في مجتمع مُتطاحن، يقول الدكتور "جيمس جاربارينو" [في 1992 كان الكثير من التلاميذ الذين يعيشون في كثير من المدن الأمريكيه قلقون لتصورهم بأنهم لن يعيشوا لكي يُعمروا طويلاً لأنهم ربما سيطلق عليهم الرصاص من قبل أحدٍ ما]77

ان الطالب الأمريكي أو الاوربي يخشى ان يفقد موقعه في الوجود فيتزعزع اتزانه أو ميزانه للصح او الخطأ وعلى هذا الأساس يرتكب الكثير من الخطأ حباً في البقاء أو حباً في الظهور الأفضل أو لحماية الذات. لقد إستمعت الى لقاءات مع طلاب أمريكان استخدموا اسلوباً شرساً في تعاملهم مع الطلاب الآخرين وكانوا يخبأون السكاكين في حقائبهم ومبررهم لهذا هو حماية أنفسهم، وهم يبدأون بالعدوان لمنع السماح بالأعتداء عليهم، او ما يحصل في الكثير من المدارس الاوربيه حيث يتداول طلاب الثانويات "سكائر الماريجوانا" للخروج من عالم القلق الى عالم الهدوء النفسي المصنوع، والمعروف إن هذا هو نقطة بداية الادمان في عالم المخدرات.
يلاحظ من هذا أن فقدان القيّم وتزعزعها في نفس الطالب وفقدان الايمان الروحي والمعتقدات وخاصة المعتقدات الدينيه يُدخل الطالب في متاهات البحث عن وجوده وماهيّة هذا الوجود وأسبابه وأهدافه ويتخبط حتى مع مساعدة الوالدين أو المعلمين ولايساعد في هذا ارتياد الكنائس في المناسبات الدينيه بل أن مايساعد هو الايمان العميق بالخالق وبمعنى الوجود وموقع الانسان كجزء من هذا الوجود والالتزام بالقيّم الطيبه والاخلاق العاليه، ويذكر في هذا الخصوص الدكتور "جاربارينو" [إن التثبيت الروحي للشباب في التنظيمات الدينيه والمؤسسات الروحيه يربط الشباب بالمعنى الحقيقي للحياة ويأتي بجواب عميق لمعنى الوجود]78
إن ماسماه الدكتور"جاربارينو" بالتثبيت الروحي هو مايحتاجه الطالب المعاصر لتثبيت إتزانه النفسي والأخلاقي ولإبعاده عن الوقوع بأخطاء سلوكيه وفعليه لتخريب ذاته أو مجتمعه . ولا أدعي أن الطالب في المجتمعات الآسيويه والأفريقيه يعاني من مشاكل أقل لكن المؤكد أن نوع المشاكل الاجتماعيه والنفسيه تختلف عن مشاكل الطلاب في المجتمعات الاوربيه والأمريكيه بسبب الاتجاه الاجتماعي واختلاف الرغبات الذاتيه تبعاً لهذا، ونلاحظ أن الأحساس بالكفايه والقناعه عند الفرد العادي واختلاف المثيرات والمثبطات الاجتماعيه والقيّم الاخلاقيه تلعب دوراً كبيراً في ردع الطالب، ونلاحظ أن المجتمع والأنظمه التعليميه في المجتمعات الشرقيه تتبع نظاماً أشد قوّة في محاسبة المخطئ من الطلاب قد يمتد الى العقاب المادي البدني، كما تتصرف العائله على ضوء هذه القيّم والمقاييس الاجتماعيه والتي عادة تكون صارمه في موضوع الطاعه وخاصة طاعة الوالدين ، وحيث الحريه الشخصيه توضع بعد مصلحة العائله وبعد القيّم الاجتماعيه .

إن هذه المجتمعات تختلف فيها نوع المشاكل الطلابيه والشبابيه ويُتخذ فيها أشكال من العقاب صارمه لردع رغبات الطالب الشخصيه. ويلعب الارتباط الديني دوراً هاماً في ردع الاتجاهات الخاطئه أو عدم السماح لنموها وتطورها، والرادع هنا ليس فقط في العائله والمجتمع بل في ذات الشخص وقناعاته حيث يجري الصراع بين الصح والخطأ والخير والشر وكثيراً ماتنتصر الارتباطات القيَميه والدينيه في هذه المجتمعات المتحفظه . ويبقى نوع العقاب في أي مجتمع هو انعكاس لنوع الخطأ المُرتكب وحجمه ومدى تكراره، على أن لايمتد للعقاب البدني والذي يستند على الأذى الجسدي وإشعار المذنب بالألم والذي قد يجعله برأي من يعاقب يقدّر مدى الأذى النفسي الذي يسببه للأخرين لعدم طاعته للأوامر سواء في البيت أو المدرسه أو المجتمع، إلا إن هذا الاسلوب يؤدي كما ذكرنا الى ردود أفعال سريعه ومتشنجه ودائميه تبقى مع الأولاد طوال العمر وقد يحدث العقاب البدني بدون أسباب موجبه وأحياناً لسبب بسيط أو يحدث لأطفال هم دون سن الوعي ويكون القائم بالعقاب عادةً مُصاب بمرض نفسي ومحباً لأذى الآخرين ومُتلذذاً به وكثيراً مايكون هذا الشخص هو من الأقرباء وأحياناً الوالدين وهذا ماتؤكده وسائل الإعلام الأمريكيه والأوربيه ودول أخرى مثل نيوزيلند حيث قامت إحدى الأمهات بضرب طفل في الثانيه من عمره الى حد الموت أو القيام بأطفاء أعقاب السكائر على جسد الطفل من قبل والديه في إحدى المدن الأمريكيه وقد يصل الى الإعتداءات الجنسيه من قبل أقرباء أو معارف لأفراغ حقد قديم إختزنه الفاعل خلال حياته الماضيه بسبب عدوان حصل له من قريب أو من أحد المعارف وقد تصل هذه الاعتداءات والتي تُبرر على أنها عقوبات قد تصل ربما الى حد شنيع وشرس وحيواني ويكون السبب عادة كلمة رفض من قبل الطفل أو دفاع كلامي عن النفس ويمارس على أساسه الضرب البدني والأعتداءات المختلفه ومنها الجنسيه والتي تؤدي الى نتائج وخيمه، تذكر الكاتبه النيوزيلنديه "فريدا برياس" [إن نتائج الاعتداءات الجسديه والجنسيه على الأطفال هي الإضطراب النفسي والطريقه التي يفهم بها نفسه والآخرين وهذه لها مشاكل جديه في الصداقات التي يبنونها في فترة النضوج، وتؤثر في طريقة رعايتهم لأطفالهم وأطفال الآخرين، وإن الأطفال الضحايا يفكرون في الانتقام من المعتدين ويصبحون في المستقبل مدمنين ومتعودين على الانحرافات الجنسيه أو العدوانيه]79
وهكذا تكون الاعتداءات الجسديه ذات نتائج وخيمه تصاحب الطفل طوال حياته ولايمكن للقائم بها أن يبررها على أنها مخزون نفسي قديم ومريض لحياة ماضيه غير سويه والتي يقوم المُعاقِب بربطها بالحاضر أو بحياة أطفالهم وأطفال الآخرين وهكذا تكون السلسه متصله مالم يقطعها العلاج النفسي أو صحة ضمير الأشخاص المعنيين .
إن أسباب العقاب البدني ونتائجه متعدده لاتتغير بتغيير اوضاع الأطفال والمراهقين بسرعه بل بالتربيه الصحيحه والطويلة المدى أو بصقل الإنسان السليم جسداً وروحاً ، ولايُعبر العقاب البدني إلا عن رغبه سريعه في التغيير، أو رغبه مريضه في الأنتقام والرغبتان تقعان في هوّة السلبيه والنتائج المؤلمه والمفزعه والتي تملأ صفحات وسائل الإعلام العالميه، وقد يؤدي العقاب البدني الذاتي الى عقاب بدني اجتماعي يقدمه المجتمع للضحية بسبب رغبة الأخير في الانتقام من المجتمع أو من القائمين بالممارسات العدوانيه بدعوى العقاب ويكون شكل العقاب هذا والذي يقدمه المجتمع عادة هو السجون والإصلاحيات. ولا أدعي أن كل القائمين بحالات الاعتداء والجرائم هم ضحايا للعقاب البدني والاعتداءات الجسديه، بل إن هناك أسباب أخرى كثيره للجريمه منها ضغط المخدرات والمغريات الماديه المختلفه وانتشار الاسلحه وسهولة تداولها بين المراهقين. إن من خلال تحذيرنا من العقاب البدني نلاحظ إن العقاب المعنوي هو مايمكن أن يكون الأجدر في تغيير أخلاق وسلوك الطالب وعاداته نحو الافضل باسلوب مبرمج و سليم وتعامل حكيم مع هفوات الابناء.