المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تطور النظرة إلي ذوي الاحتياجات الخاصة إعداد الدكتور ماهر شعبان عبد الباري


الدكتور / ماهر شعبان
04-25-2009, 10:47 AM
ثانيًا : تطور النظرة إلي المعوقين عبر العصور :
كانت للمجتمعات القديمة رؤية خرافية أو غير واقعية لتفسير الإعاقة , ولذا فقد أشار (صالح عبد المحسن , 1987 , 43) إلي عددمن المآسي التي ارتكبت في حق المعاقين إذ يقول : وقد أرجع الناس من قديم الزمان شذوذ تكوين المخلوقات إلي قوى غيبية أو تصورات غير منطقية , فأقدم تسجيل لمثل هذه الحالات ما ورد علي لوحة فخار اكتشفت في العراق , ويرجع تاريخها إلي حوالي ألفي عام قبل الميلاد, أي في عهد آشور بنيبال ملك نينوى , وفيها ذكرت بعض حالات شواذ المخلوقات وما صاحب ولادتها من أحداث اعتبروها نذير شؤم بمقدمها إلي الحياة , أو هي دلالة علي غضب الآلهة , ولهذا كان من عادة القدماء أن يقتلوا كل وليد يجيء بشيء شاذ في جسمه , وأحيانًا ما يحكمون بالموت علي أمه , ظنًا منهم أن في ذلك إرضاء للآلهة الغاضبة .
وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن الإنسان البدائي كان جل همه هو البحث عن الطعام , فسنرى صعوبة مكانة المعوقين ؛ لأنهم غير قادرين علي المشاركة في عمليات جمع الثمار , والصيد , فضلاً عن العجز التام في الدفاع عن أنفسهم .
لذا فإن المعاق أو ذوي الاحتياجات الخاصة في هذه المجتمعات كان يتعرض لنوع من الإبادة الجماعية لمن ترى فيهم عجزًا أو قصورًا؛ لأنهم من وجهة نظرهم غير قادرين علي تحقيق مقومات حياتهم بشكل طبيعي , فضلا عن عدم قدرتهم علي الإسهام في المجتمع الذي يوجدون فيه
لكننا نجد أن الأمر مختلف في الحضارة الفرعونية , حيث تعكس العديد من التحليلات التاريخية عن مدى اهتمام الملوك والفراعنة بأنماط من الرعاية الاجتماعية للفئات الخاصة , ومنهم علي سبيل المثال امنمحات الأول ورمسيس الأول حيث أعطيا اهتمامًا ملحوظًا برعاية الفقراء والأيتام والأرامل والعجزة والمحتاجين بصفة عامة , وبالطبع فقد أعان علي ذلك طبيعة الدور الديني للكهنة في عملية تنظيم العلاقات الاجتماعية والدينية مع الاهتمام بما يسمى بالفئات الخاصة من المجتمع (عبد الله محمد عبد الرحمن , 1994 , 85) .
وإذا ما نظرنا إلي العصر الإغريقي فسنجد بأنه لم يكن أسعد حالاً من العصور السابقة , إذ نادى أفلاطون بوجوب التخلص من الأطفال المعوقين عن طريق قتلهم ؛ للمحافظة علي نقاء العنصر البشري في جمهوريته , أما في اسبرطة فقد طغى علي أهلها الأطفال من سقام الأجسام غير صالحين للقيام بأي عمل , ولا يبعثون علي فخر أولياء أمورهم بهم , بالإضافة إلي ثقل أعبائهم ومتطلباتهم علي والديهم وأسرتهم , ولذا فقد حملوا الطفل بعد مولده إلي مكان معين يتم فحصه بمعرفة شيخ القبيلة , أو أكبر أفراد القبيلة سنًا , فإذا ما وجدوه قوي الجسم سليم البنية متناسق العضلات والتكوين أمروا بتربيته وتعليمه , فضلاً عن إقطاعه قطعة من الأرض , أما في حالة ضعف الطفل وسوء تكوينه فقد كان يلقى به في مكان سحيق بقاع الجبل ؛ نظرًا لأنه يمثل عبئًا علي القبيلة .
أما في العصور الوسطى حيث ظهور الديانات , وما تحمله من قيم العدل , والتسامح , والإخاء , والمساواة , وحق كل فرد في الحياة, حيث أفسحت الكنيسة لهذه الفئة العيش في رحابها , كما أننا وجدنا الأديرة تقوم بدورها في رعاية مثل هذه الطوائف , فكان المعاقون يوضعون بدافع من الرحمة والشفقة في ملاجيء خاصة , حيث يطعمون وينامون حيث يقضي الله أمرًا كان مفعولا , وقد أمر دوق بافاريا بتأسيس بيت للمكفوفين في عام 1178 , وقام بمحاولة لتدريبهم (لطفي بركات أحمد , 1978 , 34) .
وعندما جاء الإسلام لم تغفل الشريعة الغراء هذه الفئة ودور الجماعة الإسلامية في رعايتهم والأخذ بأيديهم , بل والتراحم معهم , يقول الله تبارك وتعالى " وتعاونوا علي البر والتقوى ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان " (سورة المائدة , الآية : 2) , ويقول الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم " ابغوني في الضعفاء فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم " (أخرجه أحمد في مسنده , 4 / 133 عن معدي كرب) , ولذا فقد أوجب الله علي المجتمع أن يمد يد العون والمساعدة لفئة المعاقين علي تنوعها , وأن تتاح لهم الفرصة كي يحيوا حياة طبيعية من خلال مشاركة من سواهم في سائر الأنشطة (منظمة الأمم المتحدة للطفولة بالاشتراك مع جامعة الأزهر , 2005 , 40) .
كما أن الإسلام قد أكد علي التجاوز عن الأعمى والأعرج والمريض بعامة إذ يقول تبارك وتعالى ( ليس علي الأعمى حرج ولا علي الأعرج حرج ولا علي المريض حرج ) (سورة الفتح , الآية 17), ومنها قوله تعالى (عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى ) (سورة عبس , الآية 1 – 4 ) .
ولذا فقد أشار (الهمص , 2006 , 361 ) إلي مجموعة من الحقوق لذوي الاحتياجات الخاصة في الإسلام منها :
· أن الإسلام جاء رحمة للعالمين كافة دون تمييز للطفل العادي وغير العادي (المعوق من ذوي الحاجات الخاصة) .
· الترابط والمؤازرة والمعاونة في مساعدة الأطفال المعاقين وتنشئتهم تنشئة سليمة .
· أن نكون بمثابة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى , أي بمعنى كفالة الطفل المعوق كفالة شاملة من جميع جوانبه الحياتية .
· التعاون الجاد علي الإحسان والبر خاصة أن الإحسان والبر مطلوبين من كل الناس , ولذا فهما أكثر طلبًا للطفل المعوق .
· الإنفاق من الإنسان القادر علي المحتاجين عامة , والأطفال المعوقين خاصة .
· استثناء الأطفال المعوقين من بعض الأحكام الشرعية إيماءً إلي ما لديهم من إعاقة .
وانطلاقًا من اهتمام الإسلام بهذه الفئة فقد شهد المجتمع الإسلامي الاهتمام بهم وبرعايتهم , وتمثلت هذه الرعاية في إنشاء المستشفيات العلاجية ؛ للاهتمام برعايتهم الصحية , حيث أنشأت العديد من البيمارستانات (المستشفيات) في العالم الإسلامي , وفي كثير تم تخصيص أقسام للمعاقين عقليًا ونفسيًا , حيث اعتبرت الإعاقة مرضًا يتطلب العلاج والتأهيل فأسس الوليد بن عبد الملك سنة 88 هجرية 707 ميلادية أول معهد للمعاقين , ثم أسست بعد ذلك بيمارستانات ببغداد سنة 137 هجرية , وتولى إداراتها الطبيب الكفيف أبو الحسن البغدادي (أمل معوض الهجرسي , 2002 , 81) .
أما عن الاهتمام بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة في العصر الحديث؛ فيرجع الاهتمام بها إلي القرن الثامن عشر عندما طور برايل طريقته لتعليم المعوذين القراءة والكتابة , وطورت طرق تعليم الصم , ونظمت برامج تدريبية للمتخلفين عقليًا , وإيمانًا بحقوق هذه الفئة في الحياة الكريمة صدرت المواثيق التي أكدت حقهم في الرعاية المتكاملة , ففي الثمانينات خصص عام 1981 عامًا دوليًا للمعوقين , وكان شعاره المساواة والمشاركة الكاملة , وتوالت المواثيق الدولية مثل : الإعلان العالمي حول التربية للجميع , واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأطفال عام 1990 , وإعلان برنامج فينا الصادر عن المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان عام 1993 , بالإضافة إلي إعلان النوايا المنبثق عن الندوة شبه الإقليمية حول تخطيط وتنظيم التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة سنة 1993 , والإعلان العالمي حول الاحتياجات التربوية الخاصة عام 1994 والتي أكدت جميعها علي ضرورة تعميم التعليم الابتدائي للفئات العمرية كافة بما فيها المعاقون (محمد حسين العجمي , 2007 , 15 – 16 ).
من خلال العرض السابق لتطور ذوي الاحتياجات الخاصة عبر الحقب التاريخية المختلفة نشير إلي أن هذه المراحل قد مرت بعدة أطوار هي :
1) طور الإبادة : وتمثل هذا الطور بقتل وإبادة كل ذي إعاقة ؛ لأنه لا يستطيع القيام بحماية نفسه ولا بخدمة قبيلته , ووجدت هذه السمة في العصور القديمة وخصوصًا لدى أفلاطون وآرائه عن مدينته الفاضلة .
2) طور الإهمال : وتمثل هذا الطور برمي ذوي الإعاقات في المناطق المنعزلة أو غير المأهولة , تاركين لهم فرصة الموت البطيء دون أن تقدم لها أي لون من ألوان الرعاية أو الاهتمام .
3) طور الرعاية المؤسسية : وكان الداعي لظهور هذا الطور هو وجود الأديان السماوية التي رأت في المعاق أو ذوي الاحتياجات الخاصة إنسانًا سلب إحدى خواصه , ومن ثم يجب العطف عليه, وتمثل هذا الطور في إيواء الضعاف وذوي الإعاقات في الأديرة, كما تم بناء مستشفيات للمعاقين ؛ مع الاهتمام بصنوف متعددة منهم مثل : المعاق نفسيًا وعقليًا وسمعيًا ...إلخ .
4) طور التدريب والتأهيل : وتمثل هذا الطور في إعادة النظر إلي المعاق , وأنه إنسان به كل مقومات الإنسان إلا أنه يفتقر إلي واحدة أو أكثر من العمليات العقلية أو المهارات , ومن ثم يجب تدريبه وتأهيله ؛ ليشارك بفاعلية في الحفاظ علي حياته , والمساهمة في تقدم مجتمعه شأنه في ذلك شأن الإنسان الصحيح.


إعداد الدكتور / ماهر شعبان عبد الباري
جمهورية مصر العربية
محافظةالقليوبية
جامعة بنها
كلية التربية قسم المناهج وطرق التدريس