المقدمة يواجه التعليم في كثير من أقطار العالم تحديات جمة ، تؤثر على وظيفته ومخرجاته ، وتتطلب حلولاً ناجعة لتكون برامجه فاعلة وقادرة على البقاء والتحدي لكل المنافسات ، ولعل من أبرز تلك التحديات : النمو الحاد المتوقع لأعداد المتعلمين (الطلاب)، وإشكالية عدم قدرة المدارس المقترحة في الخطط المستقبلية للدول على استيعاب تلك الأعداد المتزايدة ، فمثلاً يتزايد سكان الوطن العربي سنوياً بنسبة 3.46 % ، وتذكر الإحصائيات بأن عدد السكان في عام 1984م بلغ 176.837 مليوناً، وفي عام 1994م وصل إلى 236.9 مليوناً ، وفي عام 2000م وصل إلى 247.9 مليوناً ويُتوقع أن يصل في عام 2025 إلى حوالي 467.3 مليوناً (World Population , 1996 ) ولمعالجة النمو الكبير في أعداد المتعلمين ينبغي تحقيق متطلبات كثيرة منها ( المشيقح ، 1422): 1. تحسين الأداء وفق الأساليب التربوية الحديثة التي تتعامل مع جموع المتعلمين وفق مواهبهم واستعداداتهم مخالفة للتربية التقليدية السائدة بصفة عامة في مدارس التعليم العام . 2. احتياج هذه الأعداد المتنامية للإمكانات الكبيرة التي تسهل تطبيق نماذج التعليم المقترحة والمتوائمة مع طبيعة العصر والنمو الهائل في عدد المتعلمين. 3. تأمين التكلفة المالية الضخمة التي ستحتاجها المدارس ومرافقها ومستلزماتها المأمولة في الخطط المستقبلية كي تغطي متطلبات المتعلمين المتزايدة من معلمين مؤهلين، وتقنيات التربية والتعليم الحديثة وما إلى ذلك من متطلبات العملية التعليمية الحديثة خاصة إذا علمنا أن هناك تطوراً متسارعاً وبيّناً في مستجدات الصناعات الثقافية المنافسة لدور المدرسة التقليدية، وفي بناء وتجدد المعلومات التي تلتزم بخدمتها تلك المدارس ضمن أهدافها المرسومة. 4. مراجعة أهداف وبرامج التعليم المعاصر ومناهجه من حيث الحجم والنوعية وتطويرها في ضوء متطلبات سوق العمل الحالية والمستقبلية. والمعلوماتية - كنظام للتعليم المفتوح القائم على شبكات المعلومات التربوية الدولية ، وسائر التقنيات الحديثة المتسمة بالجودة والإثارة والتنوع والمرونة - ستكون واحدة من أهم السبل لتحقيق المتطلبات السابقة . لهذا تناضل المؤسسات التربوية حالياً للتكيف مع المجتمع المعلوماتي من خلال جهود كبرى لدمج التقنية في التعليم ، والمزج بين تقنية المعلومات والتعليم من جهة والنظرية التربوية من جهة أخرى . وهو ترابط قوي بينهما يمكن أن يؤدي إلى تحولات جوهرية في أساليب التعليم والتعلم . ليتحول النموذج التربوي من بيئات تعلم مغلقة معتمدة على المنهج التقليدي والمعلم والكتاب كمصادر وحيدة للمعرفة ، وموجهة بواسطة المعلم إلى بيئات تعلم مفتوحة ومرنة وغنية بالمصادر التقنية وموجهة بواسطة المتعلمين (الصالح ، 1423). وتستدعي هذا المواجهة والتغيير والتطوير الاعتماد على المعلوماتية بديلاً ملحاً ومتطلباً آنياً يتيح للمتعلمين إمكانية اكتساب المهارات الأساسية التي تعينهم في تعاملهم مع العصر المعلوماتي الذي يجتاح الآن مناحي الحياة كلها. إن التغيير والتبديل في طرائق التعليم والتعلم تؤثر في مستوى تحصيل المتعلمين المعرفي، والمهاري والوجداني؛ فطريقة التلقين والحفظ والتسميع خّرجت متعلمين شحنت عقولهم بكم من المعارف لا يستهان بها ، وكان دورهم فيها دور التلقي والاستيعاب، فصارت مخرجات هذه الطريقة تظهر في جزء من الجانب المعرفي ، أما الجوانب المهارية والتطبيقية والفكرية والوجدانية فلم يكن لها حظ ولا نصيب يذكر. بينما الطرائق التي تستغل طاقات ومهارات المتعلمين بإيجابية فإن مخرجاتها تمثلت في المبدعين والمفكرين والمهرة . والمعلوماتية ما هي إلا طريقة حديثة من هذه الطرائق الفاعلة ، تؤهلنا للمواجهة والتغيير والتطوير ، إنها بديل ملح ومتطلب آني يتيح للمتعلمين إمكانية اكتساب المهارات الأساسية التي تعينهم في تعاملهم مع العصر المعلوماتي الذي يجتاح الآن مناحي الحياة كلها. وهذا هو متكأ الفصل الحالي الذي سيتناول المعلوماتية والمتعلمين من خلال عدة محاور: أولها محور يتناول طبيعة المتعلمين في عصر المعلوماتية، فيبين أبرز حاجاتهم واتجاهاتهم نحو التعلم المعلوماتي ،والمحور الثاني خصص لمبررات ودواعي تقديم المعلوماتية للمتعلمين، وفيه عرض للمطالب الشرعية والتعليمية والمهنية والوطنية والاجتماعية والحضارية، وفي المحور الثالث بيان لواقع المتعلمين بالنسبة للمعلوماتية ، أما المحور الرابع الخاص ببيئة المعلوماتية فسيتم من خلاله توضيح البيئة المناسبة للمتعلمين ، والفصول المدرسية المعلوماتية. ويتناول المحور الخامس المراحل الدراسية التي تقدم فيها المعلوماتية للمتعلمين . والمحور السادس يوضح الضوابط الشرعية والأخلاقية لاستخدام المعلوماتية ، مصنفاً إياها إلى حقوق متعلمي المعلوماتية الشرعية والأخلاقية وواجباتهم . أما المحور السابع والأخير فهو خاص بمستقبل المتعلمين ، حيث يتناول المهارات التقنية التي يجب أن يتمكنوا منها لدخول عصر المعلوماتية بأمان ، كما يفرد الحديث عن تعليم وتنمية مهارات التفكير العليا كضرورة يحتمها العصر الجديد ، ويختم المحور بمحاولة تصور مستقبل المتعلمين العرب في القادم من السنوات.