|
110662239 زائر
من 1 محرم 1425
هـ
|
|
|
الدراسات والبحوث
|
سيكولوجية اللعب - النظريات المختلفة في تفسير اللعب |
الكاتب : . |
القراء :
10602 |
النظريات المختلفة في تفسير اللعب لقد شغلت ظاهرة اللعب عند الأطفال العلماء والباحثين في مختلف العصور وعلى مر الأزمنة فتأملوا هذه الظاهرة عند الإنسان والحيوان وحاولوا أن يفسروها فوضعوا نظريات عدة في ذلك ومن أهم هذه النظريات : 1- نظرية الطاقة الزائدة : ظهرت في أواخر القرن الماضي هذه النظرية ووضع أساسها ( شيلر ) الشاعر الألماني ثم الفيلسوف هربرت سبنسر وخلاصتها : أن اللعب مهمته التخلص من الطاقة الزائدة 0 فالحيوان مثلاً إذا توافرت لديه طاقة تزيد عما يحتاجه منها للعمل فإنه يصرف هذه الطاقة في اللعب 0 وإذا طبقنا ذلك على الأطفال نرى أن الأطفال يحاطون بعناية أوليائهم ورعايتهم فهؤلاء الأولياء يقدمون لهم الغذاء ويعنون بنظافتهم وصحتهم دون أن يقوم الأطفال بعمل ما فتتولد لديهم طاقة زائدة يصرفونها في اللعب 0 إن هذا التفسير معقول إلى حد ما لكنه لا يفسر حقائق اللعب كلها فالقول به تسليم بأن اللعب مقتصر على الطفولة وهذا لا ينطبق على الواقع إذ عند الكبير أيضاً ميل إلى اللعب بل ويمارسه في الواقع 0 فإذا كان اللعب مرتبطاً بوجود فضل الطاقة فكيف يمكن شرح كيفية لعب الحيوان الصغير أو الطفل إلى درجة تنهك فيها قواه كما نشاهد ذلك غالباً في الحياة العادية 0 لاشك أننا في هذا الموقف نجد اتجاهاً يحرم اللعب من دوره النشط المؤثر في عملية النمو كما يحذف دور الظروف الاجتماعية والاقتصادية وإمكانية تأثير المحيط الإنساني في إثارة هذه الطاقة وتوظيفها وتوجيهها لصالح الإنسان 0
2- النظرية الإعدادية أو نظرية الإعداد للحياة المستقبلية : يرى واضع هذه النظرية كارل غروس ( Karl Groos ) أن اللعب للكائن الحي هو عبارة عن وظيفة بيولوجية هامة 0 فاللعب يمرن الأعضاء وبذلك يستطيع الطفل أن يسيطر سيطرة تامة عليها وأن يستعملها استعمالاً حراً في المستقبل 0 فاللعب إذاً إعداد للكائن الحي كي يعمل في المستقبل الأعمال الجادة المفيدة 0 ومثالنا على ذلك تناطح الحملان في لعبها إنما هو تمرين على القيام بالتناطح الجدي في المستقبل والدفاع عن النفس وتراكض الجراء وعض بعضها بعضاً كأنها تتدرب على القتال وصغار الطير تضرب بأجنحتها بما يشبه حركات الطيران وكذلك القطط التي يطارد بعضها بعضاً في أثناء اللعب فهي تقوم بحركات تشبه الحركات التي تقوم بها في المستقبل بقصد الحصول على الطعام ومطاردة الفريسة 0 والطفلة في عامها الثالث تستعد بشكل لا شعوري لتقوم بدور الأم حين تضع لعبتها وتهدهدها كي تنام 0 وهكذا فإن مصدر اللعب هو الغرائز أي الآليات البيولوجية ولقد أكد وجهة النظر البيولوجية هذه كثير من العلماء مع إجراء تعديلات طفيفة عليها 0 ومما يثبت صحة هذه النظرية من الأدلة أن اللعب يأخذ شكلاً خاصاً عند كل نوع من أنواع الحيوانات 0 ولو أن اللعب كان مجرد تخلص من الطاقة الزائدة لجاءت الحركات بصورة عشوائية عند الحيوانات جميعها ولما اختلفت من كائن إلى آخر 0 وترى هذه النظرية أن الإنسان يحتاج أكثر من غيره إلى اللعب لأن تركيبه الجسمي أكثر تعقيداً وأعماله في المستقبل أكثر أهمية واتساعاً ومن هنا كانت فترة طفولته أطول ليزداد لعبه وتتمرن أعضاؤه كما ترى أن اللعب من خصائص الحيوان الراقي بينما الكائنات الحية غير الراقية تولد غير مكتملة النمو وغير قادرة على مواجهة صعوبات الحياة بنفسها من دون مساعدة كبارها بينما الكائنات الحية غير الراقية تولد بالغة مكتملة النمو تقريباً وتكون مستقلة عن كبارها وهذا يغنيها عن اللعب 0 وهكذا نرى أن نظرية جروس هذه يصح تطبيقها على الحيوان مع احتفاظنا بالفارق بين حياتي الإنسان والحيوان 0 فيحاة الإنسان غنية بعناصرها وتفاعلاتها وحاجاتها المختلفة إذا ما قورنت بحياة الحيوان البسيطة والمحدودة 0
3- النظرية التلخيصية : صاحب هذه النظرية هو ستانلي هول وخلاصتها : إن اللعب هو تلخيص لضروب النشاطات المختلفة التي مر بها الجنس البشري عبر القرون والأجيال وليس إعداداً للتدريب على نشاط مقبل ومواجهة صعاب الحياة 0 فألعاب القفز والتسلق والصيد وجمع الأشياء المختلفة هي ألعاب فردية أو جماعية غير منظمة ولعل هذا يشير إلى حياة الإنسان الأول عندما كان يصطاد الحيوانات ويسخرها لمصلحته فالطفل حينما يجمع حوله جماعات الرفاق ليلعب معهم إنما يمثل في عمله نشأة الجماعات الأولى في حياة الإنسان كما أنه إذا قدمنا له عدداً من المكعبات فإنه يشرع في بناء منزل أو ما يشبهه وهذه تمثل مرحلة من مراحل التقدم في الحياة فالإنسان يلخص في لعبه إذاً أدوار المدنية التي مرت عليه كما يلخص الممثل على المسرح تماماً تاريخ أمة من الأمم في ساعات قليلة 0 وقد وجهت إلى هذه النظرية اعتراضات كثيرة منها : إن هذه النظرية بنيت على افتراض أن المهارات التي تعلمها جيل من الأجيال والخبرات التي حصل عليها يمكن أن يرثها الجيل الذي يليه غير أن هذه النظرية القائلة بتوريت الصفات المكتسبة والتي يعد ( لامارك ) مؤسساً لها لم يعثر على ما يؤيدها في دراسة الوراثة كما يرفض معظم علماء الوراثة في الغرب الرأي القائل بإمكان توريث الصفات المكتسبة وهذا كله أدى إلى إلغاء هذه النظرية إضافة إلى أن الصغار ليسوا صوراً مصغرة عن الكبار فركوب الدراجات واستعمال الهواتف مثلاً ليس تكراراً لتجارب قديمة وإنما هو من معطيات الجيل نفسه الذي يستخدمها 0
4- النظرية التنفسية : وهي نظرية مدرسة التحليل النفسي الفرويدية وتركز على ألعاب الأطفال بخاصة إذ ترى أن اللعب يساعد الطفل على التخفيف مما يعانيه من القلق الذي يحاول كل إنسان التخلص منه بأية طريقة 0 واللعب إحدى هذه الطرق وتشبه هذه النظرية إلى حد ما نظرية الطاقة الزائدة 0 واللعب عند مدرسة التحليل النفسي تعبير رمزي عن رغبات محبطة أو متاعب لا شعورية وهو تعبير يساعد على خفض مستوى التوتر والقلق عند الطفل 0 فالطفل الذي يكره أباه كراهية لا شعورية قد يختار دمية من الدمى التي يعدها الأب فيفقأ عينيها أو يدفنها في الأرض وهو بهذه الحالة يعبر عن مشاعره الدفينة بوساطة اللعب 0 وترى الولد الذي يغار من أخته التي تقاسمه محبة والديه يضمر لها عداء يعبر عنه دون قصد بالقسوة على دميته التي يتوهم فيها شخص أخته 0 لذا فالأم تستطيع أن تعرف شيئاً عن حالة طفلها النفسية من الطريقة التي يعامل بها دميته 0 فهو يضرب دميته أو يأمرها بعدم الكلام أو يقذفها من الباب وهذه كلها رموز تدل على أشياء تسبب له القلق 0 وعن طريق اللعب يصحح الطفل الواقع ويطوعه لرغباته ( إن دميتي تنام متى تشاء ) وبوساطته يخفف من أثر التجارب المؤلمة ( عوقبت الدمية إذ أجريت لها عملية اللوزتين ) وبه يكتشف حوادث المستقبل ويتنبأ بها ( ستعاقبين يا دميتي لأنك لم تسمعي كلمة ماما ) 0 ورسوم الأطفال الحرة هي عبارة عن نوع من اللعب وتؤدي وظيفة اللعب نفسها 0 فالطفل قد يرسم عقرباً ويقول هذه ( زوجة أبي ) والطفل الذي يشعر بالوحدة قد يرسم أفراد العائلة كلهم داخل المنزل باستثناء طفل متروك خارجه 0 ولاشك أن الطفل يتغلب على مخاوفه عن طريق اللعب فالطفل الذي يخاف أطباء الأسنان يكثر من الألعاب التي يمثل فيها دور طبيب أسنان إذ أن تكرار الموقف الذي يسبب الخوف من شأنه أن يجعل الفرد يألفه 0 والمألوف لا يخيفنا لأننا نتصرف حياله التصرف المناسب ولدينا متسع من الوقت لهذا التصرف بخلاف غير المألوف والأطفال الذين يخافون من الأطباء يعطون لعبة تمثل المريض وسماعة ليفحصوا بها وليمثلوا دور الطبيب بأنفسهم وبذلك يستطيعون التغلب على مخاوفهم من الأطباء بوساطة ألعابهم 0 ولنذكر على سبيل المثال حالة تظهر كيف يكون اللعب مسرحاً يمثل عليه الطفل متاعبه النفسية رمزياً : طفل في منتصف الثانية من عمره كانت أمه تتركه وحده فترات طويلة فكانت لعبته المحببة هي أن يمسك ببكرة يوجد عليها خيط فيرمي بها تحت السرير حتى تختفي هنا وهنا يصيح منزعجاً ثم يجذبها فيفرح بعودتها مرحباً بظهورها 0 فالطفل في لعبته المذكورة يمثل رمزياً المأساة والأحزان التي يعاني منها 0 ويصور بسلوكه هذا خبرة مؤلمة يكابدها هي مأساة اختفاء أمه وعودتها وبذلك كان يخفف من القلق الذي ينتابه 0 وترجع نظرية مدرسة التحليل النفسي إلى عهد الفيلسوف اليوناني المشهور أرسطو الذي كان يرى أن وظيفة التمثيليات المحزنة هي مساعدة المشاهدين على تفريغ أحزانهم من خلال مشاهدة ما فيها من أحداث ووقائع 0 ومن الواضح أن النظرية المذكورة لا تكفي لتفسير اللعب فليس مقبولاً أن تكون وظيفة اللعب مقصورة على مجرد التنفيس 0
5- نظرية النمو الجسمي : يرى العالم كارت ( Cart ) الذي تنسب إليه هذه النظرية إن اللعب يساعد على نمو الأعضاء ولا سيما المخ والجهاز العصبي 0 فالطفل عندما يولد لا يكون مخه في حالة متكاملة أو استعداد تام للعمل لأن معظم أليافه العصبية لا تكون مكسوة بالغشاء الدهني الذي يفصل ألياف المخ العصبية بعضها عن بعض وبما أن اللعب يشتمل على حركات تسيطر على تنفيذها كثير من المراكز المخية فمن شاء هذا أن يثير تلك المراكز إثارة يتكون بفضلها تدريجياً ما تحتاج إليه الألياف العصبية من هذه الأغشية الدهنية 0
6- نظرية الاستجمام : وخلاصة هذه النظرية أن الإنسان يلعب كي يريح عضلاته المتعبة وأعصابه المرهقة التي أضناها التعب ذلك لأن الإنسان عندما يستخدم عضلاته وأعصابه بصورة غير الصورة التي كان يستخدمها فيها في أثناء العمل فإنه يعطي بذلك لعضلاته المجهدة وأعصابه المتعبة فرصة كي نستريح وقد وجهت لهذه النظرية الاعتراضات التالية : 1- لو كانت الغاية من العب هي راحة الأعصاب المجهدة والعضلات المتعبة فإن أحسن طريقة لذلك هي الاستلقاء في الفراش والاسترخاء في الجلوس من غير عمل ما لأن هذه الطريقة تجلب الراحة في وقت أقصر 0 2- لو كان الهدف من اللعب الراحة فقط لكان من الأفضل للكبار أن يلعبوا أكثر مما يلعب الصغار لأن عمل الكبار وجهدهم المبذول ادعى للتعب من لعب الصغار ومع ذلك فإننا نرى أن الصغار أكثر لعباً من الكبار 0 3- لا يكون لعب الإنسان دائماً بطاقات عضلية وجهد عصبي غير التي يستعملها في أثناء العمل بل إن الإنسان يلعب بالعضلات التي يعمل بها والأعصاب التي يفكر بها 0 4- تبين لعلماء النفس أن الجهد المبذول لا يتعب العضلة وحدها بل يتعب الجسم ذلك لأن أي عمل من الأعمال يستلزم استعداد عضلات الجسم كلها وتأهبها للعمل 0 وهكذا نرى أن في نظرية الاستجمام انتقاصاً واضحاً وصريحاً لوظيفة اللعب وتضييقاً لها عند حصرها بإراحة العضلات والأعصاب وبإعادة ما استنفذه الكائن الحي من طاقات حيوية في سبيل أعماله وإهمالاً للدور الفعال للعب كنشاط إنساني أصيل موجه ومؤثر في عملية النمو 0 |
أطبع
الموضوع |
أرسل الموضوع لصديق
|
|
|
|
|