السمع والتخاطب الصرع والتشنج الشلل الدماغي العوق الفكري التوحد وطيف التوحد متلازمة داون الصلب المشقوق وعيوب العامود الفقري
الاستشارات
الإعاقة دوت نت دليل الخليج لذوي الاحتياجات الخاصة مقالات مجلات ندوات وؤتمرات المكتبة العلمية

صحة الوليد - الأطفال حديثي
الولادة

صحة الطفل

أمراض الأطفال

المشاكل السلوكية

مشاكل النوم

الـربـو

الحساسية

أمراض الدم

التدخل المبـكـــر

الشفة الارنبية وشق الحنك

السكري لدى الأطفال

فرط الحركة وقلة النشاط

التبول الليلي اللاإرادي

صعوبات التعلم

العوق الحركي- الاعاقة الحركية

العوق البصري - الإعاقة البصرية

الدمج التربوي

المتلازمات

الإرشاد الأسري ونقل الخبر

امراض الروماتيزم

أمراض الغدد



اشتراك انسحاب


108854386 زائر
من 1 محرم 1425 هـ

البحث في الموقع
 

المكتبة العلمية
الاستشارات
اتصل بنا

سجل الزوار

مذاق الصبر

الحرف والعصا

الكاتب : محمد عيد العريمي

القراء : 4624

الحرف والعصا

حادثة الغويزية أثارت مخاوف الألم وازدادت رعباً إذ عرفت أنها ـ أي الحادثة ـ ارتبطت بفتاة. وتفادياً لمشاكل أخرى قد يقع فيها ولدها، لم يكن في وسعها سوى أخذه إلى مدرسة الحرف لدراسة القرآن.

وهي إن تفادت الموضوع من البداية، تعلم انه سيتعذر ضبطه وانصياعه للشدة التي عرفت بها المعلمة، إذ يصعب على من تربى على الفطرة في بيئة لا حدود لها العيش تحت ظل قوانين أو سلطة. ولعل هذا الاتساع هو الذي صاغ في نفسه التوق الدائم إلى الانطلاق، والخوف من الجدران والحواجز! وغني عن القول أنها بيئة تختلف نواميسها اختلافاً شاسعاً عن قواعد المدينة!

الليلة. تلك التي سبقت يوم الذهاب إلى المدرسة هيأته الأم بطريقة لم توفق في طمأنته، قالت له:
• نصيبي عوض تراه معلمة الحرف تختلف عن معلمة القرآن في الوادي، والمدرسة هنا غير هناك!

ولأنه استعصى عليه إدراك ما عنته أمه لجأ إلى عمته، التي لم تخف رفضها لإدخال الصبي مدرسة الحرف منذ أن سمعت بنية الأم، فزادت هواجس الخوف لديه اكثر فاكثر من شدة المعلمة الحرف وأسلوبها في التعامل مع تلاميذها، وسمعها تقول لامه:
• هذه حرمة شديدة وما تخاف الله وحرام عليكم تاخذو صبيٌّ عندها. وأردفت بعد أن لاذت بالصمت قليلاً:
• لكن إذا كنتو مصرين على عذاب ولدكم فاحسن ترضفو له ثياب وتغلظوها. وهيه صدق من سماها "ليس له!" فليس في قلبها الرحمة التي فطر الله عليها عبادة.

"ليس له" لقب أطلقته نساء الحارة على معلمة الحرف، وهو مستمد من درس تمهيدي اشتهرت بغنائه بأسلوب سلس يسهل على التلاميذ حفظ الحروف الهجائية وتحديد المنقط منها وعدد نقاطها عن سواها، ويأتي مطلعة على النحو التالي "ألف ليس له، والباء تحتها نقطة، والتاء فوقها نقطتين، والثاء فوقها ثلاث نقط، والجيم تحتها نقطة. حاء ليس له، الخ."

سكنته المخاوف طوال الليلة تلك. لا يدري إذا نام أم لا! وعندما أيقظته أمه في الصباح حاول أن يوهمها بمرضه علها تعفيه عن الذهاب إلى المدرسة، لكن العذر لم ينطل عليها.

"اختلاف" ليست المفردة المعبرة عن الفرق الشاسع بين المعلمتين، وتباين المكان كان اشد. أثارت المعلمة الحرف في نفس الصبي الرعب قبل أن تثيره المدرسة، فعندما فتحت الباب أطلت عصاها قبل أن يطل وجهها، وحين سحب يده وجلا من يد أمه جاءه رأسها محشورا بين فردتي الباب ليبث الرعب في كامل أوصاله وتوتدت رجليه في الأرض.

وإذ فتحت الباب مرحبة بالأم والتلميذ الجديد، تمنع ساعده في ذلك تصلب قدميه وعجزه عن رفعهما على عتبة الباب، فما كان من الأم مدعومة بهز خيزران المعلمة إلا أن تقتلعه اقتلاعاً.

مدرسة الحرف ليست سوى غرفة طويلة معتمة لا نوافذ لها ولا فتحات غير باب التصقت إلى جانبه تكية المعلمة. تكدس التلاميذ ذكورا وإناثا ـ لا فرق ـ يفترشون أرضا تحولت إلى وحل تنبعث منه رائحة كريهة اختلطت فيها إفرازات الصغار على اختلافها! وفي ركن مظلم علق صبي داخل جراب مثقوب عقاباً له على تقاعس أو مشاغبة.

وعندما استعاد توازنه اثر الصدمة الأولى، لم يتوان في إعلان رفضه للمدرسة فسحب يده من يد أمه وولى هاربا من الباب الذي غفلت المعلمة وصده في غمرة "ترحيبها" بالمنضم الجديد.

في اليوم التالي سحبته أمه مضطرة إلى المدرسة رغم توسلاته المشفوعة باغواءات أفضلها وعدا بشراء المانجا الحصرم الذي كانت تتوحم عليه، وان كان في غير موسمه.

سلمته أمه للمعلمة وطلبت الأخيرة من عريف المدرسة تولي أمره حسب الإجراءات المعهودة لمن في سنه وحالته ـ خاصة وان تجربة الامس وضعته في قائمة المشاغبين حتى قبل أن ينتظم في المدرسة! لعل احدهم ذلك الذي كان بالأمس يبصبص من داخل الجراب بعين من ثقب ويحشر لسانه إلى الخارج من ثقب آخر!

حاول سحب يده من يد العريف وهو ينظر إلى أمه والى خيزران المعلمة التي واصلت هزها أثناء حديثها مع والدته، لكنها ظلت تشيح وجهها خشية أن تضعف وتطلب من العريف أن يعامله برفق.

أحس لأول مرة أن أمه تخذله ولم تقف إلى جانبه كعادتها دائما عندما يتشاجر مع أخواته.

سحبه العريف وعبر به الصفوف المتراصة إلى الركن المقابل لزاوية جراب العقاب دون اكتراث لتعثره أو اصطدامه بصفوف التلاميذ، وحشره فيها وجلس جانبه بطريقة لا تتيح له التحرك ناهيك عن الهرب.

النوع الأول من قانون الردع "حشر التلميذ المشاغب في الزاوية المقابلة لركن الجراب" تذكرها الصبي بعد سنين من تلك الواقعة وكتب عنها قصة قصيرة تقوم على حكاية شعبية ـ سماها "سبال الحداد".

"اتخذ حداد سبالا يعاونه في شغله: مهمة السبال كانت النفخ في قربة اللهب لابقاء الجمر متوهجا أثناء انهماك الحداد في تسخين الحديد. السبال ـ وكحال الناس ايضا ـ سأم النفخ ووجد أن التعرض للفتيات متعة تعيد إليه حيويته ونشاطه، لكنه تمادى واستغل تساهل سيده، فكان إذا رأى حسناء قفز من مكانه واخذ يصدر صوتا كالصفير يرفقه بحركات ماجنة.

قابل الحداد هذا التمرد باللين في البداية.. خاصة وان إراحة السبال من وقت إلى آخر كانت تدر نفعاً، لكن واجهه، بعد تماديه، بشدة لم تخل أحيانا من قرعه بملقاط الجمر الحامي.

تسربت إلى داخل رأس السبال فكرة الهرب بعد أن انتشرت عليه حروق الملقاط ففر أثناء انشغال الحداد، ولجأ إلى خرائب على طرف المدينة مسكونة بالكلاب الضالة!

علم الحداد بمكان السبال فداهمه ومجموعة من اهله، وقبضوا عليه وزعيم الكلاب. وكان الجزاء بحجم الجريمة: إعدام الكلب ذبحا بالسكين وسلخ جلده أمام عين السبال، واتخذ الحداد من جلد الكلب فزاعة علقها على جدار الماحة مقابل المكان الذي يجلس فيه السبال أثناء النفخ، ثم أعاد السبال إلى مزاولة عمله.

ومنذئذ دأب الحداد على الإشارة بملقاط الجمر إلى جلد الكلب المسلوخ كلما أحس بتكاسل السبال أو انشغاله بمتابعة المارة أمام باب الماحة. لم تدفع الفزاعة السبال إلى التخلي عن ميزة التفكير فحسب، بل جعلته يتمنى لو يدخل الحداد الملقاط في رأسه بدلاً من قرعه وينتزع ذلك الجزء الفاسد المحرض من جسده الذي تسبب في سلخ الكلب".

*
يتذكر بعض أقارب الصبي أن الإجراءات التي اتخذت لتطويعه وغرس عادة الانضباط واحترام نظام المدرسة، سواء من قبل المعلمة أو من جانب أمه، لم تفلح كثيرا في "تهذيب" سلوكه، وتعذرت السيطرة عليه سواء بالترهيب أو الترغيب.

وداومت الأم على إحضاره بنفسها كل يوم إلى المدرسة وتسليمه إلى العريف يداً بيد حتى جاء يوم تركته يرافق صبيان الحارة عندما أقنعها أن مرافقته إلى المدرسة أصبحت مثار استخفاف زملائه.

وتحت تأثير اساليب العقاب التي كانت معلمة الحرف تعامل بها المشاغبين والمتقاعسين عن الحضور.. اقلها رمي حفنة من الحصحيص بتصويب دقيق يصيب الهدف في الرأس وتلحق بمن يجاوره اصابات تتفاوت شدتها بحسب جرم المستهدف ـ وهي طريقة كفلت للمعلمة تعاون التلاميذ في كف المشاغب او التبليغ عنه تفادياً لاسلوب العقاب الجماعي.

توج الصبي رفضه، اذ تأكد ان الجراب سيكون الخطوة التالية لتطويعه، بالهروب من المدينة ومرافقة قافلة اعترض طريقها لمصاحبتهم الى وادي راك حيث جدته.

اثار غياب الصبي، بعد عودة زملائه، ذعرا بين اهله.. والنساء منهم خاصة! ارتفع صوت العمة وهي تؤكد انها كانت مصيبة فيما توقعته سابقا. قالت، وهي تطبق يداً على يد لرسم صورة العقاب الذي يلاقيه الاطفال على يد المعلمة الحرف:
• هذه نتيجة الضرب. ثم تابعت، بعد ان هزت رأسها سخطاً:
• والله لوصار لعوض مكروه ما يردني احد عن فتق عيونها! وتابعت حركاتها العصبية وهي ترمي حبات الحصيص الواحدة تلو الأخرى وكأن صورة المعلمة تتشبه لها في المكان الذي تصوب عليه الحصى.

عاش افراد الاسرة ذلك اليوم قلقين على مصير ولدهم حتى وان عرفوا، ما اكد ظنون الام، انه عبر الخور شرقاً. فقد ذكر لهم صبي العبرة انه نقل الصبي الى الضفة الشرقية، وأفادهم ايضاً ان قافلة خرجت من المدينة متجهة في در ب الوادي، لكنه لم يؤكد ان كان الصبي رافقها ام انطلق وحيداً! وفي مساء اليوم التالي وصل طارش من الوادي ارسلته الجدة لطمأنتهم بوجوده معها وانها ستبقيه عندها بضعة ايام.
ـــ
نصيبي: مفردة بدوية يقولها الاقارب للاطفال تحببا. ترضفو: ارتداء اكثر من ثوب واحد لتخفيف أثر ضرب الخيزران. تكية: مصطبة صغيرة تتسع لجلوس عدد قليل من الناس. ماحة: محل الحدادة والصياغة. العبرة: قارب للعبور ما بين ضفتي الخور


 أطبع الموضوع أرسل الموضوع لصديق

فهرس الموضوعات

المؤلف في سطور

نبذة عن الكتاب

توطئة الجزء الأول

مذاق الصبر

صور لم تبرح ذاكرتي

الكرسي المتحرك

عزومة على الشاي

اليأس والسأم

لم احسن الظن

التصالح مع الإعاقة

الانطباعات المقولبة

لست بطلا ولا اطلب بطولة!

هواجس

عزلة ليست من اختياري

معوًّقون لا معوقين

تكافؤ الفرص

ذوو الاحتياجات الخاصة

المعاشرة الزوجية

كيف يتحول مهندس فجأة إلى مترجم

السيارة

التبعات الصحية للإعاقة

توطئة (الجزء الثاني)

عوض

وطني الأكبر

عبق لا يزول من الذاكرة

الوجه الآخر للشمس

الشعلة التي أضاءت الصحراء

المدينة

الريحان والدخان

البرزة

تجليات الجنون

الشمروخ

ود مطر

الحرف والعصا

المقراع

دمعة

سوق المسباخ

سكة البنايين

صور

كلمة اخيرة


[   من نحن ? |  سياسة الخصوصية | منتدى أطفال الخليج (جديد) | الصفحة الرئيسية ]

خدمة الخلاصات تاريخ آخر تحديث: 1/4/2022

أطفال الخليج ذوي الإحتياجات الخاصة

جميع الحقوق محفوظة