السمع والتخاطب الصرع والتشنج الشلل الدماغي العوق الفكري التوحد وطيف التوحد متلازمة داون الصلب المشقوق وعيوب العامود الفقري
الاستشارات
الإعاقة دوت نت دليل الخليج لذوي الاحتياجات الخاصة مقالات مجلات ندوات وؤتمرات المكتبة العلمية

صحة الوليد - الأطفال حديثي
الولادة

صحة الطفل

أمراض الأطفال

المشاكل السلوكية

مشاكل النوم

الـربـو

الحساسية

أمراض الدم

التدخل المبـكـــر

الشفة الارنبية وشق الحنك

السكري لدى الأطفال

فرط الحركة وقلة النشاط

التبول الليلي اللاإرادي

صعوبات التعلم

العوق الحركي- الاعاقة الحركية

العوق البصري - الإعاقة البصرية

الدمج التربوي

المتلازمات

الإرشاد الأسري ونقل الخبر

امراض الروماتيزم

أمراض الغدد



اشتراك انسحاب


108756482 زائر
من 1 محرم 1425 هـ

البحث في الموقع
 

المكتبة العلمية
الاستشارات
اتصل بنا

سجل الزوار

مذاق الصبر

الشمروخ

الكاتب : محمد عيد العريمي

القراء : 4830

الشمروخ

بعد ايام من المراقبة عن بعد قرر الصبي الاقتراب من وسط السوق. وان كان ثمة ما جذبه لتلك الخطوة والاقتراب اكثر من مركز الحركة، تلك الرائحة اللذيذة النفاذة للاطعمة والحلويات التي كانت تعرضها البائعات مكشوفة في صوان ضخمة!

عند صف البائعات وقف ينظر برغبة فضحتها رطوبة شفتيه مترددا بين الشراء او الاكتفاء بالنظر فقط.

امام الصينية التي وقف بجوارها الصبي، جلس رجل تبدو عليه وجاهة وان افسدتها جلسته تلك وهو يمسك قصاصة ورقة جريدة قديمة ـ بدت اقرب الى السواد منها الى البياض بفعل حبر الطباعة ـ يضع فيها ما يختاره بنفسه من اللقيمات التي يقلبها في يده مرات ومرات، فيعيد واحدة لان جانبها احترق اكثر من وجهها او لأن جزءا منها بدا ابيض دليلاً على عدم استوائها من الداخل، والبائعة تتذمر وترطن لجارتها معبرة عن سخطها من هذا الزبون الذي اصر على اختيار ما يريده ولم يترك لها المهمة على غرار معظم الزبائن.

التفت الرجل، اذ احس باقتراب الصبي من المكان، ومد له عدداً من اللقيمات. تردد اولا ثم اخذها خجلا بعد ان دسها الرجل قسرا في يده. وعندما انتهى الرجل من اخذ ما اراد مسح يده في طرة ازاره، وفي غمرة انشغال الصبي بأكل اللقيمات اشار الرجل اليه وقال للبائعة:
• خلي ولدي عندك حتى ارجعلك بفلوس!

ذهب ولم يعد!

انهى الصبي اكل اللقيمات، وعندما تحرك عائداً الى التبريزة وثبت البائعة وامسكته من يده فسحبها وهو يكيل الشتائم لها ثم ركض الى تبريزة الغربي وهي تجري خلفه.. ترطن بكلام أثار موجة من الضحك بين البائعات الاخريات حتى وصل الى التبريزة.

موقف كان لا يخلو من الطرافة. تجمع جيران الغربي يستوضحون الامر!
قال لها الغربي وهو يهز رأسه:
• ضحك عليك ود حبّاب يا رهيمة! هذا صبيّ لا هو ولده ولا يعرفه من اساسه!
واوضح لها انها وقعت في مقلب من مقالب ود حبّاب!

مقلب ود حبّاب ترك في نفس الصبي احساسا بالذنب، فهو كان طرفاً فيه وان تعرض للتضليل كحال العجوز رهيمه! وتكفيراً عن ذلك الذنب دأب الذهاب الى رهيمه دون سواها من البائعات كلما طلب منه احد من بيتهم او الجيران او من "اهل" البرزة شراء لقيمات او تبغ. وهكذا خلق ألفة معها. هي ايضا لم تبخل عليه عندما أخذ يتردد عليها لشراء الطلبات ببعض اللقيمات او القشاط!

واصل الصبي في الايام التالية جولاته الاستكشافية لما تبقى من زوايا سوق المسباخ! احداها قادته الى محل اثار فضوله.. تنبعث منه روائح طعام ممتزجة بدخان السجائر وثرثرة الزبائن.. ومعها ياتي الى السمع من جهاز "فونوغراف" غناء مطرب كان صوته نشازا وهو يضرب على العود كما يضرب المزروقي القطان قطناً بالياً بمدق خشبي لتليين ملمسه وصنع وسادة مهترئة او فراش بال لصياد لا تسمح موارده شراء فراش جديد.

تردد أولا، لكنه يعلم انه اذا لم يتجرأ على الدخول سيظل المكان مسكوناً بخيالات من صنع رأسه.

ظل واقفاً امام مدخل المقهاية. استرق النظر والسمع والشم لما يدور داخلها! في غفلة الاستسراق تلك صدمته يد احد الخارجين. رفع نظره. شاهد فتاة تتوسط مجموعة شباب اعمارهم تقترب من العشرين.

طغى عليه الفضول. تبع المجموعة مدفوعاً برغبة لمعرفة سر تلك الفتاة، التي بدت مختلفة عن سواها من فتيات المدينة، الى مكان منزوٍ خلف المقهاية!

هناك تحلقت المجموعة حول بساط فرشوه على الارض لا للجلوس وانما للعب "الورق". تولت الفتاة اولاً توزيع الورق وكانت تبل اصبعها بلعابها بحركة ماهرة كلما صعب عليها فرد الورق عن بعضه بعضاً. بعد مرات من التوزيع ورمي الورق صرخ احدهم وهو يضرب البساط بورقة "كابا"، ثم جمع القطع النقدية التي رموها قبل ان يبدأ توزيع.

في اليوم التالي ـ وفي الموعد نفسه ـ جلس الصبي في مكان اقرب من مكان الامس. وصلت المجموعة، لكن اللعبة هذه المرة اختلفت! انتقى كل واحد منهم حصاة صغيرة على شكل قرص مسطح واملس بحجم راحة اليد. وقفوا بالدور على بعد بضعة امتار، تزيد او تقل، من حفرة صغيرة بسعة قدح الشاي.

بدأ كل واحد منهم رمي قطعة نقد معدنية باتجاه الحفرة. بعد انتهاء ذلك جمع اللاعب الذي كانت قطعته الاقرب الى الحفرة قطع النقود وعاد بها الى حيث وقفوا سابقاً ورمي حفنة النقود باتجاه الحفرة. صوبَ الحصاة نحو قطعة حددها كهدف لحصاته. وتتابع افراد المجموعة على المتوالية السابقة.

عرف الصبي ان اسم اللعبة "غويزية". وهو مشتق من قطعة نقد معدنية قديمة تسمى "الغازي". ورغم نسب اللعبة الى الغازي، الا ان البيسة تستخدم للعب. قواعد اللعبة هي ان يحذف صاحب الدور القطع نحو الحفرة، ثم يحدد واحدة (الشبح) يصوب حصاته نحوها، فان اصابها دون ان تلمس الحصاة قطعة اخرى يفوز بالدور ويأخذ القطع كلها، اما اذا فشل فله ان يأخذ ما دخل الحفرة من القطع عندما رماها قبل تصويب الحصاة.. وهكذا دواليك.

اعجب الصبي باللعبة. ادهشته سيطرة الشمروخ (اسم الفتاة) على افراد المجموعة. اقترب منهم شيئا فشيئا، حتى اصبح وجوده مألوفا بينهم، لكن لم يدعه احد الى اللعب، رغم ان وجوده لم يكن يضايقهم خوفا من اهل يتهمونهم بافساد اخلاق ابنهم وجره الى لعب القمار.

وكان يأتي وفي كيسه بعض قطع النقود استعداداً اذا دعي اليها أو في غياب احد اعضاء المجموعة وطلبوا منه مشاركتهم.

ظل الصبي يأتي الى المكان يومياً ويتدرب في غيابهم على رمي القطع داخل الحفرة وتصويب الحصاة نحو الشبح. ولعل معرفته الرماية ببندقية السكتون ساعدته على اتقان اللعبة بسرعة وكفاءة!

سبقهم يوماً الى مكان اللعب وجاءت الشمروخ اولا فوجدته منهمكاً في تصويب الحصاة إلى الشبح وهو يغمض عيناً ويفتح اخرى محاولاً تقليدهم. تركته يواصل التصويب حتى اصاب الشبح.

كالعاصفة احتضنته الشمروخ.. اعجاباً بمهارته رغم حداثة سنة. طوقته بذراعيها. يتذكر انها سألته: كيف تعلمت رمي الشبح؟
فرد وعلى وجهه ابتسامة فيها خجل وبعض من خبث: تعلمت الرمي بالرصاص لا بالحجر! فقالت وهي تدغدغ بطنه: لا بد انك كنت صياداً ماهراً، فهل تعلمت صيد الارانب اولاً؟
وفي صوته بحة، قال: واصطدت الغزلان والضباع ايضا!

وصل بقية افراد المجموعة ودعته الشمروخ الى اللعب معهم، لكنها اشترطت ان يكون لاعباً "متدرب" فقط ـ أي انهم لن يأخذوا نقوده! احتج عريفان على استثناء الصبي من الربح والخسارة، لكنها وبخته بصوت عال. وسمع وهو يرد عليها ممتعضا "بنت القحبة". وعندما اندفعت بعصبية نحوه اعترضها عتر لتهدئتها.

ادار الصبي ظهره مبتعدا عن المكان خشية ان يكون وجوده مثار خلاف. اطبقت يد الشمروخ على كتفه. سحبته بدعوة فيها من التهديد والترغيب.. فكان لها ما شاءت!

سعد الصبي بتطور علاقته بالمجموعة وان كان بعضوية متدرب، وحين حاول مرافقتهم بعد اللعب نهرته الشمروخ وطلبت منه ان يعود الى بيته والا فانها لن تسمح له باللعب في المرة القادمة.

غياب الصبي عن التبريزة آثار قلق الغربي. ظن ان مرضاً او سوءا اصاب صديقه الصغير، لكنه اكتشف عندما التقى عم الصبي ان الاسرة كانت تعتقد انه يأتي الى التبريزة، لذلك كانوا مطمئنين لذهابه المستمر الى السوق.

وكان لا بد من البحث عن سر غيابه والمكان الذي يتردد عليه يومياً!

الصدفة وحدها كشفت سر انضمام الصبي الى مجموعة الغويزية! ففي وقت سابق من ذلك اليوم تذكر الغربي ان محيّل الشاوي ذكر له انه تعرض لسرقة منظمة قبل يومين من كيس يتحزمه. "ويحرص على عدم خلعه حتى اذا ضاجع زوجته" ـ حسب تعليق الغربي.

وتابع، بعد ان توقف وأخذ نفساً من سيجارة خطفها من يد الغربي قبل ان يضعها في الصينية، ان شابين من السفهاء افتعلا امامه خناقة وتشابكا بالأيدي ولم يجد مفراً من فض النزاع بينهما.

ويظن ان احدهم ادخل يده في الكيس اثناء انشغاله بالفصل بينهما وسحب عدداً من القروش دون ان يشعر بذلك! وذكر ايضا انه شاهد معهم فتاة سافرة الوجه وصبيا بدوياً.
الغربي كذب القصة وقال بعد ان ترك محيل المكان وهو يقهقه:
• ود الحرام طول القصة وعرضها..على شان اسامحه عن قيمة السيجارة!

ربط الغربي بين قصة محيّل وغياب الصبي، قال وهو ينظر الى العم:
• الولد ما تغيب عن السوق لكنه غير مكانه!

وباشارة من يده طلب من العم ان يتبعه. وخلف المقهاية وقف الغربي والعم مذهولين وهما يشاهدان الصبي يرمي الحصاة ويصيب الشبح!

ظلت صورة الشمروخ عالقة في ذهن الصبي لسنوات كثيرة قادمة. وفي محاولاته منه لتفسير موقف هذه الفتاة كتب يوما في سنوات شبابه رسالة لصديق كان يكتب في مجلة اسبوعية الخاطرة التالية برجاء ان يجعل منها موضوعاً مناسبا للنشر. التالي بعض ما جاء فيها:

"شكلت الشمروخ في ذلك الوقت ظاهرة اجتماعية مثيرة للجدل. ويصعب المرء ان يأتي على ذكرها بطريقة عابرة. انها ظاهرة "تستحق" لا.. بل يجب التوقف عندها! فهي كما ذكرت لك سلفا قلبت موازين التقاليد والاعراف رأسا على عقب!

السؤال الذي يبادر للذهن هو: هل كانت الشمروخ فعلاً تدرك ان ممارستها تلك؛ بكل جرأتها وخروجها على النظم الاجتماعية الراسخة والتقاليد القبلية المصانة بذهنية التحريم، والتي لا مجال لمناقشتها ناهيك عن الانفلات من مدارها؛ تنطوي على محاولة لتغيير دور المرأة؟

وهل كانت تتمتع بقدر من الوعي الاجتماعي يجعل من فعلها ذلك دعوة الى هدم ثوابت ترسخت في عقل كليهما: الرجل والمرأة؟

والحق ان كشف رؤية تلك الفتاة لمعنى تمردها لا يمكن استخلاصه من مجموعة مواقف تفرضها احيانا اعتبارات كثيرة، لأنها، ايضا، في احيانا اخرى تتخذ مواقف مبتذلة ليس لها غاية سوى استفزاز الرجال وتأليبهم عليها وهي بتلك المواقف تنفي وجود وعي او رؤية تفسر تمردها على تلك التقاليد!

فهي لم تكتف بالحضور الى السوق سافرة الوجه بصحبة مجموعة من الفتيان تلاحقهم "دونية السلوك ووضاعته"، بل صعدت من توتر علاقتها ببعض رموز السوق الذين ظلوا يمقتون وجودها بينهم منذ حضورها بتدخين السيجارة علنا بعد ان ظلت تتعاطاها سرا مع اصحابها خلف المقهاية.

وخطت خطوة اخرى "جريئة" حين ابتاعت لنفسها سكيناً ولوح تقطيع وانتقت لها مكانا وسط ساحة مقيطعية الصيد ودخلت منافسة لرجال احتكروا تلك المهنة!

وهي بهذا اتخذت مهنة من المهن المحرمة ليست على النساء فحسب بل وعلى فئات من سكان المدينة ايضاً. واذ اعترض الباعة، كان لسانها كسكينها التي ظلت تلوح بها تجاه كل من أبدى اعتراضاً أو تذمراً.

وسرعان ما تراجع هؤلاء عندما أخذت تنشر "غسيلهم الوسخ" وهي تشهر بنسائهم وتنتقص فحولتهم فلاذوا بالصمت ولو لحين حتى يجمعوا أشلاءهم التي افتعل فيها لسانها الجز والتقطيع!

وعندما عبر أحدهم عن استيائه من بذاءة لسانها، قائلا:
• تحشمي يا فاسقة وإلا قطعت لسانك، كانت يدها اسبق من لسانها، حين قذفت قطعة سمك في وجهه، و"ردت الصاع صاعين":
• زوجتك هي الفاسقة يا نذل. واستبد بها الغضب وكادت سكينها تجرح الشايب ود مطر الذي حاول منعها من الاشتباك معه."
ـــ
طرة: طرف الإزار. السكتون: نوع من بنادق الصيد الخفيفة، ويستخدم كثيرا لتدريب الصبيان على الرمي. مقيطعية ومفردها مقيطعي: باعة السمك بالقطيعي.

 أطبع الموضوع أرسل الموضوع لصديق

فهرس الموضوعات

المؤلف في سطور

نبذة عن الكتاب

توطئة الجزء الأول

مذاق الصبر

صور لم تبرح ذاكرتي

الكرسي المتحرك

عزومة على الشاي

اليأس والسأم

لم احسن الظن

التصالح مع الإعاقة

الانطباعات المقولبة

لست بطلا ولا اطلب بطولة!

هواجس

عزلة ليست من اختياري

معوًّقون لا معوقين

تكافؤ الفرص

ذوو الاحتياجات الخاصة

المعاشرة الزوجية

كيف يتحول مهندس فجأة إلى مترجم

السيارة

التبعات الصحية للإعاقة

توطئة (الجزء الثاني)

عوض

وطني الأكبر

عبق لا يزول من الذاكرة

الوجه الآخر للشمس

الشعلة التي أضاءت الصحراء

المدينة

الريحان والدخان

البرزة

تجليات الجنون

الشمروخ

ود مطر

الحرف والعصا

المقراع

دمعة

سوق المسباخ

سكة البنايين

صور

كلمة اخيرة


[   من نحن ? |  سياسة الخصوصية | منتدى أطفال الخليج (جديد) | الصفحة الرئيسية ]

خدمة الخلاصات تاريخ آخر تحديث: 1/4/2022

أطفال الخليج ذوي الإحتياجات الخاصة

جميع الحقوق محفوظة