السمع والتخاطب الصرع والتشنج الشلل الدماغي العوق الفكري التوحد وطيف التوحد متلازمة داون الصلب المشقوق وعيوب العامود الفقري
الاستشارات
الإعاقة دوت نت دليل الخليج لذوي الاحتياجات الخاصة مقالات مجلات ندوات وؤتمرات المكتبة العلمية

صحة الوليد - الأطفال حديثي
الولادة

صحة الطفل

أمراض الأطفال

المشاكل السلوكية

مشاكل النوم

الـربـو

الحساسية

أمراض الدم

التدخل المبـكـــر

الشفة الارنبية وشق الحنك

السكري لدى الأطفال

فرط الحركة وقلة النشاط

التبول الليلي اللاإرادي

صعوبات التعلم

العوق الحركي- الاعاقة الحركية

العوق البصري - الإعاقة البصرية

الدمج التربوي

المتلازمات

الإرشاد الأسري ونقل الخبر

امراض الروماتيزم

أمراض الغدد



اشتراك انسحاب


108756596 زائر
من 1 محرم 1425 هـ

البحث في الموقع
 

المكتبة العلمية
الاستشارات
اتصل بنا

سجل الزوار

مذاق الصبر

تجليات الجنون

الكاتب : محمد عيد العريمي

القراء : 4762

تجليات الجنون

شكل جهاز الراديو في تلك الفترة اهمية بالغة في حياة سكان المدينة، وكان محور تجمع الناس على اختلاف مستوياتهم الثقافية والتعليمية، وفي اوقات الازمات السياسية العربية كان الراديو الشغل الشاغل للناس فهو الوسيلة الوحيدة للاطلاع على الاخبار في ظل غياب الجرائد او تأخر ما يصل منها. وكانت اذاعة صوت العرب بمذيعها اللامع احمد سعيد اكثر الاذاعات انتشارا ولعبت دورا رئيسا في جذب جمهور المستمعين على اختلاف مشاربهم..

وكان خطاب الزعيم جمال عبد الناصر حدثاً هاما تعد له الجلسة، وتوضب له السبلة وترفع الاريلات وتقدم الدعوات للاستماع الى الخطاب! وكان البيت العود في الحارة (بيت العم عبدالله) المكان الذي يجتمع فيه اهل الحارة جميعاً للاستماع الى الخطاب.. ومن بينهم شخص يعرف باسم "زباد"!

هو من وجوه البرزة ومقيم دائم في السوق، وان كان لا يبيع ولا يشتري! لا احد يعرف له اسماً، اهلاً، او وطناً! من اين جاء وكيف جاء؟ سر آخر من اسرار زباد، لكن المدينة احتضنته فهي لا ترفض الغرباء ولا يعنيها ماضيهم وان كان سكانها يحبكون روايات وحكايات واحداثاً عنه تتفاوت حقيقتها وتفاصيلها بحسب راويها!

اهل البرزة اختلفوا ايضا حول قصة زباد. الشيخ سعيد، ناصر معلم المدرسة، وعلي الغاوي اجمعوا ان زباد جاء هاربا من سجون قوات الحلفاء في جنوب الجزيرة العربية بعد رفضه الانضمام الى فرق المستعمرات الانجليزية في آسيا.

ويدعم ناصر هذا الرأي بقوله ان الوشم الذي على جبينه والذي يغطيه بطاقية لا تفارق رأسه ويمسك عليها بقبضة قوية ان حاول متطفل نزعها على حين غفلة منه، هو صليب وشم به عقاباً على رفضه الخدمة العسكرية والاشتراك في الحرب ضد القوات النازية.

في حين يذكر هاشل قصة اخرى عن زباد. يتفق معه مسلم صاحب المطعم، وحافظ؛ وآخرون بينهم الغربي ومحمادي، ويدعي انه سمعها من نوخذا سفينة خليجية في زنجبار. قال: التقطته سفينة عربية من احدى القرى على ساحل جنوب الجزيرة العربية بعد ان هرب سباحة من طراد حربي ألماني.

وكان الطراد اعترض سفينة شحن بريطانية، محملة بالشاي من الهند، في الايام الاولى من الحرب العالمية واغرقها، بعد ان اخلى الالمان بحارتها ـ وزباد احدهم ـ وبعض المواد الثمينة كالوقود قبالة جزيرة نائية في بحر العرب.

ويؤكد هاشل صدق هذه الرواية بان الوشم ليس صليبا مستقيما وانما معكوفا كالذي اتخذه الالمان شعارا لهم!

الاستاذ ناصر اعترض على هذه الرواية. قال ان رواية هاشل مغالطة تاريخية. فحادثة اغراق السفينة البريطانية صحيحة لكنها وقعت في الحرب العالمية الاولى وليست الثانية، ولا يمكن ان يكون زباد حينئذ، اي قبل اكثر من خمسين عاما تقريبا، في سن التجنيد، وعمره الآن لا يتجاوز هذا العدد من السنوات.

اما الدليل على ان حادثة سفينة الشحن البريطانية وقعت خلال الحرب العالمية الاولى فهي واقعة تاريخية موثقة، ويضيف:
• سمعتها بهذه ـ وهو يشير الى اذنه ـ من برنامج عن الحرب الكونية الاولى من اذاعة الـ"بي بي سي".

ويتدخل النوخذا حمد بن محمد. قال انه سمع من احد كبار السن من سكان جزر الحلانيات عن حادثة اغراق طراد حربي لباخرة شحن، الا انه لا يعرف لمن الطراد او السفينة، ولم يسمع شيئا عن تاريخ حدوثها.

وذكر ان سكان الجزيرة وقفوا عصر ذلك اليوم على شاطئ البحر يشاهدون اغراق السفينة: وقعت اولا عدة انفجارات لكنها لم تغرق ـ الاستاذ ناصر ارجع التفجير لقنابل وضعها الالمان داخل السفينة حسب ما سمع من الراديو – ثم قصفها الطراد بعد ذلك بقذائف مدافع حتى اختفت تحت سطح البحر.

شاهد العيان هذا زاد ان سكان الجزيرة استيقظوا في اليوم التالي ليجدوا ساحل جزيرتهم وقد تحول لونه الى الاحمر القاني، فظنوا اولا انه دم بحارة السفينة المنكوبة، لكنهم عرفوا بعد ان فتحوا الصناديق التي قذفت بها الامواج الى الشاطئ ان محتويات تلك الصناديق هي مصدر تلك الصبغة.

سكان الجزيرة كانوا يجهلون محتويات الصناديق، فافرغوها واستخدموها لتخزين الاسماك المجففة انتظارا لموسم وصول السفن الصورية وهي في طريقها الى شرق افريقيا، حيث يقايض سكان الجزيرة حصادهم من الاسماك بالمواد الغذائية والمتطلبات الاساسية للحياة التي تجلبها السفن.

الجزيرة لم تكن تعرف حتى ذلك الوقت شراب الشاي. الصدفة، ليس الا، جعلت منه الشراب الوحيد والمفضل لدى سكانها. قالوا ان احدى نسائهم كانت تغلي قصب السكر واستخدمت قطعة لوح انتزعتها من احد تلك الصناديق، والتي احتفظت بين شقوقها ببعض اوراق الشاي، لتحريك الماء، وعندما رأت تغير لون الماء رفعت طرف اللوح وتذوقته بطرف لسانها فاستطابت المذاق. وهكذا عرف سكان تلك الجزيرة شرب الشاي بالسكر!

الفريقان اتفقا ان "زباد" ليس اسمه الحقيقي، وانما لقب اطلقته النساء عليه عندما عمل، بعد وصوله الى المدينة، بائعا متجولا بين الحارات.. ينادي ببضاعته من العطور ومعاجين الزينة "زباد.. زباد، عندي زباد؛ عندي مسك، عندي خضاب؛ عندي كحل، عندي بخور؛ عندي ورد، عندي ذرور؛ " ويختم اهزوجته بالبداية نفسها "زباد.. زباد، عندي زباد". هذا عن ماضيه!

اما حاضره فهو مجنون للبعض، وحكيم عند آخرين. يولد "الجنون" عنده من احشاء لحظات تحرر نفسه من المواجع فينغمس في طور لحظات يعيش فيها مأزوما بتداخل حكمة العقل وتجليات الجنون.

يحمل بداخل خرج التصق بظهره، كسنام جمل اجرب، كثرت رقعه وتمزق بعض صوفه، سكينا وميسما وأدوات اخرى لا احد يعرف استخداماتها. ويحاول في لحظات التجلي بتر أوصال فاسدة وكيها: يعري في الناس سلوك الرذائل، ويفضح تزلفهم للفضائل.. ينبش بأظافر تجليات الجنون قروحاً متقيحة تسترها الأكاذيب والأوهام، ويحمل معاول لهدم اعمدة نخر السوس جوفها وان ظل سطحها متوهجا كالجمرة بعد الاستواء. يسخر من التعصب الساذج لغيبيات ابتدعوها هم انفسهم وصدقوها بعد طول اجترار، ثم رفعوها الى منزلة النصوص المقدسة واعتقدوا أن الايمان بها يرقى الى مستوى العبادة! و"له في الجنون طوق نجاة".

وفي فورة "تأزم" مواجع الذاكرة تضطرب دواخله! تتداعى نزعات باطنية، وملاحم نضال دفاعا عن قضية او مبدأ مجروحة. مقبورة بساديات حجاجية. ويزج العقل في سعير بوتقة ارهاصات تجارب قديمة انفلتت من مدارها الآدمي ولبس بعضها جناح الملائكة والآخر منها ارتدى لبوس الشيطان! يتقاذفه اعوجاج الذاكرة واستقامة الجنون.. تتقاطع مسارات الحاضر والماضي ويستعصي عليه فرز الواحد عن الآخر او إبراز لحظة عقل حفرت لها باصابع مدمية اسماً وتاريخاً!

يداوي احباطات الذات وخذلان الناس بشق طريق آخر يعود به الى ازمنة غابرة تكومت بيارق عنفوانها وطال انتظار راياتها في مخازن جمعت ـ بين ما جمعت ـ نبالاً وسيوفاً يرجع تاريخ بعضها الى زمن الراشدين، وأخرى الى زمن قريب ترفع للتطريب والعبث، فينتزع من بينها واحدة سوداء تحمل ختم الايوبي، ويعود بها للاحتفال بانكسار سطوة القهر على اجساد المستضعفين وجوع الفقراء.

وثمة حالة يستثني اهل السوق ورواده العُصاب في زباد، فيغدو كأنه لم يكن بينهم بالامس مجنونا. ففي اليوم التالي لخطاب الزعيم يتحول زباد الى خطيب مفوه وسياسي محنك، حين يقف فوق تبريزة أو صندوق بضائع، وان لم يجد مكاناً مرتفعاً في وسط السوق لا يتردد في تسلق جدار أحد الدكاكين ليسمع صوته القريب والبعيد.

وفي هذه المناسبة يتجمع البائعون، والمتسوقون، والمارة، والحمالون، والمتسولون. ويعيد زباد الخطاب بدقة يقف عندها من استمع اليها ليلة الامس مدهوشين، ويرفقها بشروح لمن تستعصي عليه معاني مفرداتها، وهو يدرك ان جل مستمعيه لا يملكون اجهزة مذياع، أو جذب مستمعين آخرين آثروا الابتعاد عندما صعب بعض الامر عليهم او آخرين انشغلوا عنه بشراء او بيع.

وبعد ان يكمل الخطاب، يواصل الحديث مأخوذاً بتجمع الناس، دون وضع اعتبار للزمان والمكان، عن الفقر والامراض في افريقيا، ويسهب في المعاصر من القضايا: بناء السد العالي، ثورة جنوب اليمن وتقاتل الاشقاء في شماله، ازمة الصواريخ الروسية في كوبا، واخرى سواها من احقاد وحروب صغيرة ونزاعات. ويعرج دون ربط على قضايا اخرى لا احد يعرف مدى صلتها بالواقع والحقيقة!

استعصى على كثير من المثقفين، الذين عادوا من الخارج واقلام "الباركر" المذهبة تزين صدورهم، وتتوج قصة "البكلة" رؤوسهم، تفسير قدرة زباد على حفظ خطاب الزعيم وتحليله بدقة.. خاصة اذ ظنوا ان عقل الرجل لوثه الجنون !

 أطبع الموضوع أرسل الموضوع لصديق

فهرس الموضوعات

المؤلف في سطور

نبذة عن الكتاب

توطئة الجزء الأول

مذاق الصبر

صور لم تبرح ذاكرتي

الكرسي المتحرك

عزومة على الشاي

اليأس والسأم

لم احسن الظن

التصالح مع الإعاقة

الانطباعات المقولبة

لست بطلا ولا اطلب بطولة!

هواجس

عزلة ليست من اختياري

معوًّقون لا معوقين

تكافؤ الفرص

ذوو الاحتياجات الخاصة

المعاشرة الزوجية

كيف يتحول مهندس فجأة إلى مترجم

السيارة

التبعات الصحية للإعاقة

توطئة (الجزء الثاني)

عوض

وطني الأكبر

عبق لا يزول من الذاكرة

الوجه الآخر للشمس

الشعلة التي أضاءت الصحراء

المدينة

الريحان والدخان

البرزة

تجليات الجنون

الشمروخ

ود مطر

الحرف والعصا

المقراع

دمعة

سوق المسباخ

سكة البنايين

صور

كلمة اخيرة


[   من نحن ? |  سياسة الخصوصية | منتدى أطفال الخليج (جديد) | الصفحة الرئيسية ]

خدمة الخلاصات تاريخ آخر تحديث: 1/4/2022

أطفال الخليج ذوي الإحتياجات الخاصة

جميع الحقوق محفوظة