السمع والتخاطب الصرع والتشنج الشلل الدماغي العوق الفكري التوحد وطيف التوحد متلازمة داون الصلب المشقوق وعيوب العامود الفقري
الاستشارات
الإعاقة دوت نت دليل الخليج لذوي الاحتياجات الخاصة مقالات مجلات ندوات وؤتمرات المكتبة العلمية

صحة الوليد - الأطفال حديثي
الولادة

صحة الطفل

أمراض الأطفال

المشاكل السلوكية

مشاكل النوم

الـربـو

الحساسية

أمراض الدم

التدخل المبـكـــر

الشفة الارنبية وشق الحنك

السكري لدى الأطفال

فرط الحركة وقلة النشاط

التبول الليلي اللاإرادي

صعوبات التعلم

العوق الحركي- الاعاقة الحركية

العوق البصري - الإعاقة البصرية

الدمج التربوي

المتلازمات

الإرشاد الأسري ونقل الخبر

امراض الروماتيزم

أمراض الغدد



اشتراك انسحاب


108756225 زائر
من 1 محرم 1425 هـ

البحث في الموقع
 

المكتبة العلمية
الاستشارات
اتصل بنا

سجل الزوار

مذاق الصبر

البرزة

الكاتب : محمد عيد العريمي

القراء : 5259

البرزة

استمرار تمنع اولاد الحارة واستعصاء اقامة علاقة ودية معهم، دفع الصبي الى التردد على التبريزة. ووجد الغربي فيه حارساً ومعاوناً اميناً في بيع الماء وتحصيل ثمنه في حضوره او غيابه. من البرزة بدأ الصبي يتعرف على بعض رموز السوق!

يتعذر على الزبون او الزائر لتبريزة الغربي اثناء الفترة ما بين صلاة العصر وقبيل صلاة المغرب تجاهل برزة العصرية ـ او جلسة "القيل والقال" كما يسميها الخراصي، جار الغربي، تهكماً!

تجمع البرزة عددا من رجال المدينة ـ المرموقين ربما.. وبقدر ما تتقارب اهتمامات بعضهم تتباين المستويات الثقافية لبعضهم الآخر، لكن لا الاولى بالضرورة تجمعهم ولا الثانية تفرقهم. اعضاء البرزة منهم دائميون وآخرون غير منتظمين.

الفئة الاولى تضم هاشل كاتب الرشيد، النوخذا حمد محمد، الشايب خميس ود مطر، الاستاذ ناصر معلم المدرسة النظامية الوحيدة في المدينة، علي الغاوي بائع المواد الغذائية بحكم الجوار، والغربي بحكم استضافته لها حيث يقدم البساط وبعض ادوات التسلية.

الفئة الثانية تتكون من الشيخ سعيد امام المسجد الجامع، خلفان الذيب، مبارك الصليط، وحافظ راعي الفرضة وآخرين غيرهم.

حديث التبريزة يتباين ويتشعب حسب الموجودين: ففي حضور الاستاذ ناصر وهاشل يأخذ الحديث مجرى سياسياً. اذ ترتفع حدة النقاش في مواضيع مثل انفصال سوريا عن مصر ـ كانت تضمهما "الجمهورية العربية المتحدة". يعلو صوت الثاني معارضاً التدخل المصري في اليمن بطلب من حكومة الجمهوريين في صنعاء. يؤكد هاشل كعادته وجهة نظره في أي نقاش بلغة عربية فصحى يبالغ في الحرص على اظهار مخارج الفاظها تمايزا عن الآخرين. على هذا التواتر يدور معظم الحوارات: ترتفع الاصوات. يتجمع الناس.. وتزداد حركة البيع في هذا الركن من السوق!

ود مطر لا يعنيه كثيرا هذا النوع من النقاشات ولعله لا يفهمها. فينشغل عن المجموعة اذا ارتفعت الاصوات بضرب البوري على نتوء صخرة برز من الجدار. يدخل الطرف المدبب لمسمار اخرجه من كيس التنباك لازالة الرماد من فم البوري بعناية فائقة. يقربه ويبعده عن عينيه، ثم يخرج التنباك ويضغطه بابهامه قبل ان يقلب المسمار ويدك رأسه في فم البوري.

يشعل عود ثقاب. يمسكه بيد. يحجب الهواء عن الشعلة باليد الاخرى وهو يقربها من البوري.
تراه يمط شفتيه لسحب الدخان وهو ينظر شزراً الى هاشل اذا انفعل ورفع صوته عالياً عندما يحس ان وجهة نظر الطرف الآخر في موضوع النقاش تحظى بموافقة المستمعين؛ ثم يمد يده بالبوري لخلفان قبل ان تخبو النار.

في ذروة النقاش الدائر، وكناية بهاشل يسأل ود مطر الغربي عن سعر البرسيم او يتبادل الحديث مع صياد وقف يستمع لما يدور في البرزة قبل ان يدخل دكان علي الغاوي عن الصيد واسعاره.

هاشل يجد في ذلك عذراً لمغادرة البرزة. يدعي انه لا طائل من الحديث في قضايا سياسة والثقافة مع "امة" لا تتعدى همومها البرسيم او السمك! يغادر منفعلا.. وهم يدركون ان انشغال ود مطر عن موضوع الحديث ليس السبب الحقيقي وراء ترك هاشل البرزة وانما شعوره ان محاوره تمكن من اقناع الآخرين بصحة وجهة نظره!

الغربي ايضا يحاول مجاراة المجموعة الاكثر ثقافة عندما يقاطع المتحدث بلازمة لا تفارقه: ايش قصدك؟ او يبدي وجهة نظر في الحديث من وقت لآخر وهو على جلسة لف السيجارة على سطح التبريزة. ورغم ان مشاركته لا ترقى الى مستوى آراء هاشل وناصر الا انه يحظى باهتمام خليفة الذيب وود مطر.

وعندما لا ينشغل هاشل وناصر بحوار ساخن او في غياب احدهما او كلاهما، يتحدث كبار السن عن ذكريات الماضي. يعيد النوخذا حمد للمرة المئة ـ ربما ـ حادثة غرق البغلة "فتح النور" بصاروخ من غواصة المانية في بحر العرب خلال الحرب العالمية الثانية. تراه في كل مرة يصمت لحظات ويأخذ نفسا عميقا.. محاولا اضفاء مسحة حزن على صوته. وكأنه يروي القصة لاول مرة!

ويضيّف الغاوي البرزة، ايام البرد، بملة من عصيدة الدبس التي تحسن زوجته صنعها. لكنه يتاخر في تقديمها حتى يجتمع اكبر عدد من الرجال في البرزة ـ لزوم الوجاهة.. هكذا يعلق خليفه عليه. في هذه المناسبة يدعو الغربي جيرانه او بعض زبائن السوق الى تناول العصيدة: دعوة لا تروق للشايب ود مطر.. لانه في النهاية لا يحصل الواحد منهم على اكثر من لقمة واحدة. ويهمس في اذن صاحبه خليفه "ما تسوى زرانة"

وينشغل علي الغاوي خلال فترة العصر ـ وهي الذروة لتجارته ـ كثيرا بتحضير طلبات زبائنه الصيادين التي لا تتعدى المتطلبات الاستهلاكية ليوم واحد فقط. فمنهم من يشتري كاس عيش وكيلة طحين ومغراف كاز، ومنهم من يحمل الى بيته اذا كان المردود وفيراً السيويا وعلبة فاكهة من الاناناس او سواها، فضلا عن بعض الخضراوات والفواكه الموسمية كاطماطم والرقي والموز.

وفي غمرة انشغاله لا يفوته شئ مما يدور في التبريزة، ولا يعيقه وهو يزن طلبا او يلف آخر في قصاصات جريدة يصنع منها فورا، ببراعة فائقة، كيسا مخروطيا سعته تناسب كمية البضاعة المطلوبة دون استخدام اللصق او الخيوط؛ عن المشاركة في النقاش، وان كانت مشاركته تقتصر على عبارتين "حقه هاشل" او "صدقه استاذ ناصر".

يعلم كثيرون في السوق ان تجارة علي الغاوي ليست سوى هواية فضلها على الجلوس في البيت "رادي لا شغل ولا مشغله" كما يعترف نفسه بذلك!

ومع ان الفرصة واتته مرات عديدة لتوسيع تجارته او بيع الدكان وبسعر مغر، الا انه ظل متمسكا بتجارته المتواضعة وحريصا على خدمة زبائنه وجلهم من الصيادين؛ او "اهل البحر" كما هو شائع اسمهم؛ الذين تعتمد قوتهم الشرائية على حصادهم اليومي: فاذا كانت غلة البحر وفيرة، مروا، بعد بيع السمك، على الدكان.

اما في ايام الشح، فان اسر الصيادين تكتفي بالسمك ان وجد وبعض التمر، ولكنها ترسل اطفالها بصحون فارغة الى البيت العود في الحارة لجلب بعض من عشاء اهله او بدون صحون ليكون الاطفال ضيوفاً عليهم!

وهي عادة لا يجد فيها المعوز حرجاً ولا يعتبرها المانح فضلاً. وجرت العادة ان يتخذ اصحاب البيت العود احتياطهم عند اعداد وجبة العشاء في اوقات شح صيد السمك. وبدورهم يرسل الصيادون تحلي الى البيت العود عندما يكون حصادهم كثيرا.


مقابل البرزة وعلى جدار دكان علي الغاوي، يفترش اسحاق الشمار (الاسكافي) حصيرة: رجل سمين ترهل كرشه وكان يبدو وهو جالس بين ادوات صنع النعل والمعروض منها للبيع كأن له جزعتين.

على غرار الغاوي، مشاركة الشمار لا تتعدى ضحكة مجلجلة تهز كرشه كالسمّاط او التوقف عن غرز المغرز في نعال مهترية، طوقها بقديمه في وضع يستحيل عليها الافلات، والنظر ـ بعينيين مفتوحتين على اشدهما وفم فاغر ـ الى المتحاورين في البرزة اذ اشتد النقاش وارتفعت الاصوات!

وثمة زائر خاص يحتفى بوجوده في البرزة ويحييه الجميع وقوفاً، ويسود البرزة الصمت اذا تحدث: وهو الشاعر سعيد ودَ وزير، الذي يحرص الجميع على سماع الجديد من شعره وقصص مبارزاته الشعرية مع حافظ المسكري.

وعلى بضعة امتار من البرزة، في السكة نفسها باتجاه الساحل، دكان محمادي: تاجر التمر والدبس والدعون.

احيانا كان يطلب احد رواد البرزة من محمادي ان يبدي رأيا في موضوع النقاش وهو يعلم ان الرد سيكون ظريفا وفيه من اللمز والغمز ما يكشف طبيعة علاقة محمادي بصاحب الرأي! ولكنه، مع ذلك، يكن احتراماً شديداً للشاعر ود وزير، فيتأخر في الرد او يمتنع تماماً في حضور الشاعر لكي لا يفسد على الحاضرين متعة الاستماع الى شعره.

ويتمتع محمادي بقدرة فائقة على اطلاق النكات والتعليقات، وعلى ارغام الزبائن على شراء ما يريدونه ولكن بالسعر الذي يريده. ويروى عنه الكثير من المواقف الطريفة، فذهنه حاضر لا طلاق النكات والتعليقات التي تصيب هدفها. ود مطر نقل للبرزة ذات مساء ان رجال حارة الساحل كانوا ـ كعادتهم دائماً ـ متجمعين على الشاطئ امام المسجد قبل صلاة العشاء، وعلق محمادي على احد المارة فأثار الضحك بينهم، الا ان سالم الشط لم يتوقف عن الضحك طوال الفترة التي امضاها المصلون داخل المسجد لاداء صلاة العشاء. وقال انهم عندما خرجوا وجدوا ثيابه مبللة وهو لا يزال غارقا في الضحك!
ـــ
البرزة: جلسة او لقاء اجتماعي. النوخذا: قبطان السفينة، واصلها فارسي. البوري: الغليون. التنباك: التبغ. الصيد: السمك. امة:جماعة. البغلة: سفينة شحن عملاقة مقارنة بالسفن التقليدية، اشتهرت بزخارف مؤخرتها، وتأثر تصميمها بالنموذج البرتغالي المعروف بـ"الغليون. ملة: سلطانية. عصيدة: اكلة تحضر من الطحين والدبس: عسل التمر، وتحضر كثيرا ايام الشتاء. الزرانة: اللعاب. كاس: وزن ويعادل ربع كيلو تقريبا. عيش: رز. كاز: كورسين. السيويا: نوع من الماكرونة. العود: كبير. حقه: الحق معه. تحليّ: هدية من السمك. السمّاط: حيوان بحري هلامي ذو شكل شبه كروي. الدعون ومفردها دعن: بساط من سعف النخيل يصف بعضه جنب بعض ويربط بحبال ألياف النخيل ويستخدم اما لسقف المنازل او يفرش على اعمدة وعوارض ترتفع عن الارض بمقدار متر ويسمى "السيم". السبلة: المجلس في المنازل التقليدية.


 أطبع الموضوع أرسل الموضوع لصديق

فهرس الموضوعات

المؤلف في سطور

نبذة عن الكتاب

توطئة الجزء الأول

مذاق الصبر

صور لم تبرح ذاكرتي

الكرسي المتحرك

عزومة على الشاي

اليأس والسأم

لم احسن الظن

التصالح مع الإعاقة

الانطباعات المقولبة

لست بطلا ولا اطلب بطولة!

هواجس

عزلة ليست من اختياري

معوًّقون لا معوقين

تكافؤ الفرص

ذوو الاحتياجات الخاصة

المعاشرة الزوجية

كيف يتحول مهندس فجأة إلى مترجم

السيارة

التبعات الصحية للإعاقة

توطئة (الجزء الثاني)

عوض

وطني الأكبر

عبق لا يزول من الذاكرة

الوجه الآخر للشمس

الشعلة التي أضاءت الصحراء

المدينة

الريحان والدخان

البرزة

تجليات الجنون

الشمروخ

ود مطر

الحرف والعصا

المقراع

دمعة

سوق المسباخ

سكة البنايين

صور

كلمة اخيرة


[   من نحن ? |  سياسة الخصوصية | منتدى أطفال الخليج (جديد) | الصفحة الرئيسية ]

خدمة الخلاصات تاريخ آخر تحديث: 1/4/2022

أطفال الخليج ذوي الإحتياجات الخاصة

جميع الحقوق محفوظة