السمع والتخاطب الصرع والتشنج الشلل الدماغي العوق الفكري التوحد وطيف التوحد متلازمة داون الصلب المشقوق وعيوب العامود الفقري
الاستشارات
الإعاقة دوت نت دليل الخليج لذوي الاحتياجات الخاصة مقالات مجلات ندوات وؤتمرات المكتبة العلمية

صحة الوليد - الأطفال حديثي
الولادة

صحة الطفل

أمراض الأطفال

المشاكل السلوكية

مشاكل النوم

الـربـو

الحساسية

أمراض الدم

التدخل المبـكـــر

الشفة الارنبية وشق الحنك

السكري لدى الأطفال

فرط الحركة وقلة النشاط

التبول الليلي اللاإرادي

صعوبات التعلم

العوق الحركي- الاعاقة الحركية

العوق البصري - الإعاقة البصرية

الدمج التربوي

المتلازمات

الإرشاد الأسري ونقل الخبر

امراض الروماتيزم

أمراض الغدد



اشتراك انسحاب


108631066 زائر
من 1 محرم 1425 هـ

البحث في الموقع
 

المكتبة العلمية
الاستشارات
اتصل بنا

سجل الزوار

مذاق الصبر

عوض

الكاتب : محمد عيد العريمي

القراء : 4398

عوض

تذكر امه انه جاء إلى الدنيا دون توقع وقبل حينه بأسابيع. ففي صباح يوم صيفي قائظ في عام من الربع الثاني من الخمسينيات، فتح عينيه على غمامة حزن أطبقت على الناس والمكان..

وبين أصوات النحيب والعويل، حزناً على وفاة آخ له لم يكمل عامه الخامس، ضاع صراخ ولادته، وكان ظهوره المفاجئ في وقت غير مناسب سبباً في تكوين شعور متناقض بين الحزن والفرح.

وكأن حرمانه من الصرخة التي ينتظرها الأقارب أمام حجرة الوالدة إعلانا بانتهاء مكابدة آلام المخاض وقدوم روح جديدة إلى الدنيا.. لا يكفي، فقد أطلق عليه اسم "عوض" وهو عرف عند بعض البدو عندما يولد لهم أطفال مباشرة بعد وفاة آخر في الآسرة.

وزيادة في الحرص ثقبت أذنه اليسرى لوضع حلق فضي لإبعاد الأرواح الشريرة ـ رغم ان امه قالت له فيما بعد ان ذلك دليل على خصوصية ولادته. وهو ما شكل في شبابه ـ حسب مواقف الناس وتباين الأماكن ـ إما إحراجا لتشبهه بالفتيات، أو ميزة تفرد بها بين زملائه في الجامعة.

بيد ان الاستقبال الفاتر الذي قوبل به لم يلازمه طويلاً، فقد ولدت امه بعده بنتين وظل الصبي يتمتع بمزايا الذكر الوحيد ـ لفترة طولية قادمة ـ بين ثلاث أخوات في مجتمع بدوي يفرد للذكر مكانة أرفع خاصة إذا كان الأكبر من بينهم.

وعندما سمح له الانفصال عن دائرة الأسرة، شعر برغبة ملحة في "المغامرة".. أخذت الأصوات والصور تثير مخيلته وتصحوا فيه اهتمامات غريزية لاستكشاف "العالم" الغامض خارج محيط بيته: عالم الأشياء والناس.. عالم امتلأ خياله بصدى أصواته وكانت رمسة العرق تجربة أولية مثيرة لا تزال عالقة بالذهن!

فعلى سفح كثبان رمل ناصع البياض، يجتمع الصبيان والبنات ـ على حد سواء ـ للغناء ونظم الشعر والرقص ولعبة الساري على ضوء القمر. وهناك يصدح صوت سليّم مغاني، شاعر الوادي ومغنيه، وهو ينظم الشعر حماسياً يصف فيه قوة القبيلة وشجاعة رجالها؛ أو غزليا يمدح الجميلات من النساء ويشيد بشرفهن؛ أو حزناً على ميت؛ أو فرحا في عيد أو عرسا أو ختاناً ـ وكل ذلك حسب ما يناسب المزاج السائد في الوادي حينه! وعلى قرع الطبل ترقص الفتيات ويشاركهن الصبيان في حركات تعبيرية تعكس حياة الناس وأساليب عيشتهم ومعاناتهم دون ابتذال، وليس في رقصهم ما يخل بالشرف أو يدعو لنقيصة.

ويتذكر تجمع النساء والأطفال مع معلمة القرآن شمسة لسماع الخراريف والقصص والأساطير التي تغرس في نفوس الأطفال الأخلاق النبيلة والسلوك السوي وتحلق بخيالهم إلى أماكن وبيئات لم يألفوها، وتشكل في الذاكرة مدارك ومفاهيم تهيئ الأطفال وهم في سن مبكرة لخوض الصراع من اجل البقاء واولها الولاء للقبيلة ـ فهي طوق النجاة!

ان من أهم الوجوه والأسماء التي يتذكرها عن تلك الفترة المبكرة من صباه هو سعد الرويسي الذي أثار مجيئه إلى الوادي ـ هذه المرة ـ ضجة لم يعهدها سكانه! وكان زواجه من ابنة عمه مريّم، في العام الماضي، عرساً لم يشهد الوادي له مثيلاً! وسعد هو ابن أخ عبّاد غير ان أسرته تقيم في قرية ساحلية وتمتهن صيد السمك. عبّاد (احد أعيان الوادي وشيخ اكبر قبائله) كان ذكر لرجال الوادي، العام الماضي، عندما تقدم ابن أخيه لخطبة ابنته ان سعد عاد من العالي وهو يعمل هناك ويتعلم في المدارس الحديثة في نفس الوقت وسوف يحصل على شهادة علم ستضمن له عملاً مرموقاً في نفس الشركة التي يعمل فيها الآن.

وجاء هذه المرة مرافقا زوجته لزيارة أهلها، وأحضر معه جهاز "راديو". أثار ظهور الراديو في الوادي ردود أفعال مختلفة بين الرفض والقبول. ولعل سعد كان أول من ادخله إلى المنطقة. وعلى غرار معظم المحدثين، واجه سعد في البدء معارضة من بعض وجوه الوادي العتيدة، وبعض التأييد المشوب بالحذر من شبابه. حمّاد الزور قال ان سعد سحر شباب الوادي بالراديو فأصبحوا لا يكترثون كثيراً للعناية بالجمال وتضمير النوق.

لكن يبدو ان سحر الراديو لم يطل الشباب من أهل الوادي فحسب، بل ان بعض رجال الوادي اخذوا يترددون على بيت عبّاد للجلوس مع سعد والاستماع إلى حديثه الذي يجمع بين الثقافة والسياسة وان كان ما يشدهم اكثر هو جهاز الراديو الذي احضره الرويسي معه من العالي. والجمهور لم يقتصر فقط على الرجال، فالفتيات أيضا كن يجتمعن خلف سياج البيت بدعوة من مريّم زوجة سعد للاستماع إلى الأغاني!

حادث عرضي قلب الرفض إلى قبول للراديو، وكانت بطلته معلمة القرآن شمسة. فقد كانت مدعوة على الغداء، يوم الجمعة، في بيت عبّاد.. وهي عادة جرى عليها أهل الوادي لاستضافة المعلمة التي تعيش بمفردها، وليس معها من يخدمها ويلبي طلباتها، وان اقتصرت احتياجاتها المعيشية على خيمة تدرأ عنها برودة الشتاء ولسع الرمل إذا اشتدت رياح الكوس، وبقرة قدمها بن غباش هدية لها عندما ختم ابنه القرآن تشرب من حليبها وتصنع منه الجبن واللبن. وهي عطية لا يكف بن غباش عن ذكرها كلما سنحت له الفرصة!

واثناء وجودها هناك استمعت المعلمة في عصر ذلك اليوم إلى إذاعة كانت تنقل صلاة الجمعة، وسمعت من الإذاعة قراءة للقرآن لم تسمع بمثلها من قبل! فأخذت تردد الآيات مع المقرئ وانفعلت فانهمرت دموعها غزيرة وهي تسمع قوله تعالى "أفلا ينظر الإنسان إلى الإبل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الأرض كيف سطحت." إلى آخر الآية الكريم، ولم تتوقف طوال ما تبقى من ذلك اليوم عن ذكر آيات من القرآن الكريم.

نقل الرجال بعد صلاة المغرب ما حدث للمعلمة شمسة في ذلك اليوم في بيت عبّاد. قال حمّاد، وهو يعيد ربط جديلته على المصر، ممتعضا:
• الظاهر ان العجوز خرفت.. وآلا ايش يخليها تسمع الراديو ومزاميره! لكن قبل ان يكمل نهره عبّاد قائلا:
• استحي على وجهك يا رجل ولا تتكلم عن الحرمة الطيبة بهذا الكلام. أنت تريد تسود وجوهنا مع المعلمة وأنت تعرف أننا ترجيناها حتى تقعد وتستمر في تعليم عيالنا!

وعندما حاول العبد الدفاع عن صديقه سعد، مذكراً الحاضرين برد فعلهم عندما شاهدوا سيارة الإنجليز من بعيد وقالوا عنها انها شيطان يمشي على أربع أرجل، لكنه لم يتمكن من مواصلة كلامه حين قاطعه حمّاد بحدة:
• ما بقى غير أنت تعلمنا ايش انسوي! فكف العبد عن الكلام وطأطأ رأسه وانسحب من المصلى قبل ان يسمع مزيداً من التقريع.

الشايب مرزوق سأل عن شكل الراديو وطلب من الحاضرين ان يشرحوا له "كيف يشتغل وايش يجيب؟" لكن لم يتلقى ردا لسؤاله، وعندما ألح على حمّاد، رد هذا الأخير بعصبية وهو يغادر المكان:
• إبليس يعرف شكله وايش يجيب!

فوق عرق الرمل، وصل العبد إلى حيث يجلس سليّم مغاني، وبصوت طغى عليه الإحساس بالإهانة، قال العبد:
• الزور لبسه عفريت اسمه "الراديو"

واصل مغاني حركة يده وهو ممسك بعصاه يرسم بطرفها المصفح بالفضة على سطح الرمل الذي سواه بيده أشكالا وخطوطاً ومنحنيات لا معنى لها في شكلها الظاهري، ولكنها حسب قوله تساعده على نظم القصائد ـ فهو شاعر القبيلة، وعلى صوته العذب يغني الوادي كله! وبصوت عال.. يريد به إخراج سليّم من حالة الشرود الذهني أو ربما التهرب عن إبداء رأي في ما يجري، قال العبد:
• ايه يا الأخ، أنت تسمعني ولا مطنش؟
رفع سليّم رأسه وعلى وجهه ابتسامة خفيفة، كمن أدرك ما صار عليه حال العبد في المصلى، قال:
• أسمعك لكن ايش تريدني اسوي؟

سليّم أدرك، بحساباته الخاصة، ان الراديو سيشكل منافساً له، فلقد كان هو نجم الوادي ومركز سهرات لياليه، فعلى ضوء القمر يتجمع الشباب والفتيات للاستماع إلى غنائه والرقص على
ضربات طبله. وبقدر إعجابه بالجهاز، إلا انه توجس الخطر في ردود الفعل التي ستظهر
حالما يرتفع صوت الجهاز، ففضل ان ينأى بنفسه!

انتشرت قصة المعلمة شمسة بين نساء الوادي. وسمع الناس تلك الليلة الخلاف الذي نشب بين حمّاد وزوجته نافجة، عندما أبلغته، وهي تضع الزرابيل على قدميها، انها ستذهب غدا إلى بيت عبّاد لسماع راديو نسيبه، وستأخذ معها زوجة ابنها الغائب أيضا تمادياً في التحدي.

جارتهم تعيبة، التي تهوي متابعة جولات الخلاف الصوتي بين الزوجين وتذيعها في الوادي بعد إضافة بعض الحبكات والمبالغات زيادة في التشويق، قالت انها سمعته وهو يحلف "والله سأطلقك بالثلاث إذا خالفت طوعي". وأخبرت بعض النساء ان ذلك هو الطلاق الخامس خلال هذا الشهر، وسمعتها أخريات وهي تقول انه السابع. وهي تؤكد ذلك بسجل يبين مرات الطلاق التي يرميها حمّاد على زوجته وذلك بشحطة إصبع على الرمل في ركن من خيمتها!
ــــ
التغرود: نوع من الغناء ينشده البدو وهم على ظهور جمالهم لحثها على السير. الطارق: من أنواع الغناء. رمسة: سهرة. العرق: تله رمل. العالي: دول شمال الخليج العربي. خراريف: قصص شعبية أو أسطورية تحيكها النساء للأطفال. جديلة: حبل يجدل من صوف الماعز ويربط به المصر: عمامة. مطنش: يتجاهل الكلام. الزرابيل: حذاء ينسج من صوف الماعز ويلبس للوقائية من لسع العقارب.

 أطبع الموضوع أرسل الموضوع لصديق

فهرس الموضوعات

المؤلف في سطور

نبذة عن الكتاب

توطئة الجزء الأول

مذاق الصبر

صور لم تبرح ذاكرتي

الكرسي المتحرك

عزومة على الشاي

اليأس والسأم

لم احسن الظن

التصالح مع الإعاقة

الانطباعات المقولبة

لست بطلا ولا اطلب بطولة!

هواجس

عزلة ليست من اختياري

معوًّقون لا معوقين

تكافؤ الفرص

ذوو الاحتياجات الخاصة

المعاشرة الزوجية

كيف يتحول مهندس فجأة إلى مترجم

السيارة

التبعات الصحية للإعاقة

توطئة (الجزء الثاني)

عوض

وطني الأكبر

عبق لا يزول من الذاكرة

الوجه الآخر للشمس

الشعلة التي أضاءت الصحراء

المدينة

الريحان والدخان

البرزة

تجليات الجنون

الشمروخ

ود مطر

الحرف والعصا

المقراع

دمعة

سوق المسباخ

سكة البنايين

صور

كلمة اخيرة


[   من نحن ? |  سياسة الخصوصية | منتدى أطفال الخليج (جديد) | الصفحة الرئيسية ]

خدمة الخلاصات تاريخ آخر تحديث: 1/4/2022

أطفال الخليج ذوي الإحتياجات الخاصة

جميع الحقوق محفوظة