السمع والتخاطب الصرع والتشنج الشلل الدماغي العوق الفكري التوحد وطيف التوحد متلازمة داون الصلب المشقوق وعيوب العامود الفقري
الاستشارات
الإعاقة دوت نت دليل الخليج لذوي الاحتياجات الخاصة مقالات مجلات ندوات وؤتمرات المكتبة العلمية

صحة الوليد - الأطفال حديثي
الولادة

صحة الطفل

أمراض الأطفال

المشاكل السلوكية

مشاكل النوم

الـربـو

الحساسية

أمراض الدم

التدخل المبـكـــر

الشفة الارنبية وشق الحنك

السكري لدى الأطفال

فرط الحركة وقلة النشاط

التبول الليلي اللاإرادي

صعوبات التعلم

العوق الحركي- الاعاقة الحركية

العوق البصري - الإعاقة البصرية

الدمج التربوي

المتلازمات

الإرشاد الأسري ونقل الخبر

امراض الروماتيزم

أمراض الغدد



اشتراك انسحاب


108740415 زائر
من 1 محرم 1425 هـ

البحث في الموقع
 

المكتبة العلمية
الاستشارات
اتصل بنا

سجل الزوار

مذاق الصبر

لم احسن الظن

الكاتب : محمد عيد العريمي

القراء : 4370

لم احسن الظن
كانت هواجسي في غير موضعها! إذ أثبتت فاطمة بحبها قدرة لا متناهية على فهم وضعي الجديد وأزالت ببساطة تعاملها جبال الأوهام التي ترسبت في نفسي

لم تكن الشمس قد أشرقت بعد عندما امتدت يد توقظني، يوم عودتي إلى الوطن. شعرت بالرهبة وكأني مقدم على اختبار غير مستعد له ولست واثقا من نتيجته!

كنت لا أزال مستغرقا في التفكير وخيالي يجسد موقف لقائي الأول بأهلي وزوجتي، عندما طلبت المضيفة عبر مكبرات الصوت من المسافرين العودة إلى مقاعدهم استعدادا لهبوط الطائرة في مطار السيب.

وقد طلبت من أهلي خلال اتصالي بهم هاتفياً من إنجلترا عدم الحضور إلى المطار، سوى زوجتي طبعاً، وانتظاري في صور إلى أن تنتهي فترة تدريب فاطمة على العناية بي في عيادة الشركة، إلا أني لم أكن على يقين أنهم سيلبون طلبي.. خاصة والدتي التي أعرف أنها لن ترضخ لأية مبررات ولن تجدي معها محاولات التوسل والإقناع نفعا.

كنت أريد أن أكون في وضع حسن ومزاج نفسي طيب حين أقابلهم للمرة الأولى لكي أعطي انطباعاً يوحي بالثقة وتكون وطأة مشاهدتهم لي وأنا جليس الكرسي المتحرك أخف وأقل تأثيراً.

لكن يبدو أن أحد عمل على تنفيذ رغبتي، فلم يحضر لاستقبالي في المطار سوى زوجتي وأحد أقاربي. خف توتري وأنا أشاهدهما لوحدهما في انتظاري خلف الحاجز الزجاجي الذي يفصل قاعة الوصول عن قاعة المستقبلين.

وكنت قد تحدثت مع زوجتي مرات عديدة وهيأتها لما يجب أن تتوقعه. وبالفعل كان رد فعلها الأولي عظيما.

أمضينا أسبوعين في عيادة الشركة بمسقط بغية تأهيل زوجتي لكي تفهم حالتي الصحية وتتعامل مع وضعي الجديد من خلال الممرضة التي رافقتني.

وكان انتابني هاجس قبل سفري من إنجلترا أن فاطمة سوف تجد صعوبة بالغة في التعامل معي بدنياً ونفسياً، وأنها لن تتحمل مشقة طلباتي الدائمة للمساعدة. وأمضيت تلك الفترة أتخبط في دوامة مستمرة من القلق والتفكير ووضع التقديرات والاستنتاجات وحتى ردود الفعل التي علي أن أعدها لمواجهة المتوقع وغير المتوقع.

وكان اليأس يبلغ بي أحيانا حد التمني بصدق لو أنني أستطيع البقاء في هذه المستشفى إلى الأبد، لكن هاجسي كان في غير موضعه ولم أحسن الظن، فقد أخطأت كثيرا! إذ أثبتت فاطمة
بحبها قدرة لا متناهية على فهم وضعي الجديد وأزالت ببساطة تعاملها حيال التغيير جبال الأوهام التي ترسبت في نفسي وبثت في روحي بدلًا منها بوارق مضيئة من الأمل فأخذت أرى الدنيا معها أكثر إشراقا.

زارني خلال وجودي في العيادة بعض مدراء الشركة للمجاملة وربما التعرف على وضعي الصحي وما سوف يصير إليه حالي بالنسبة للعمل!

وكنت خلال هذه اللقاءات أحاول أن أبين وبوضوح تام حدود قدراتي البدنية، وأؤكد سلامة قدراتي ـ وربما بالغت ـ العقلية. فلقد كنت حساسا تجاه مواقف الناس الذين يربط بعضهم بين الإعاقة الجسدية وسلامة القوى العقلية!

بعد عدة أيام من وصولي جاء الدكتور هارفي بتكليف من الشركة لمناقشة موضوع عملي بها وبالتفصيل. ولأني كنت أفتقر لأي تصور إيجابي لمستقبل حياتي، ناهيك عن العمل، صمت عاجزا عن الرد! فأدرك الرجل موقفي وأخذ على عاتقه مهمة التفاوض مع الشركة لصالحي، حيث كتب تقريرا طبيا يعزز فيه صحة ما جاء في التقرير الذي حملته معي من بريطانيا بخصوص قدراتي على مزاولة العمل طالما تهيأت السبل الملائمة لوضعي الصحي.

عاد الدكتور هارفي بعد يومين برسالة من الشركة.. قرأتها، ثم طلب مني ترجمتها لزوجتي: الرسالة باختصار تشير إلي أن الشركة تبدي التزامها برعايتي وعلى استعداد لمساعدتي في مواجهة الحياة وتوفير متطلباتها.

وحتى تبدو الصورة أكثر وضوحاً، طرحت الشركة ثلاثة خيارات:

أولا، مواصلة العمل في الشركة. ومع الأخذ في الاعتبار أنني لا أستطيع مزاولة وظيفتي السابقة فإنه سيتم نقلي إلى وظيفة ملائمة ستحدد لاحقا بعد دراسة قدراتي البدنية وإمكاناتي العملية.

ثانيا، أن أبقى في مسقط على أن تتكفل الشركة بمساعدتي على تأسيس عمل خاص يناسب مؤهلي الدراسي ويتلاءم مع وضعي الصحي بحيث أستطيع مزاولته من نفس المكان الذي أسكن فيه.

ثالثا، الشركة تنظر بعين الاعتبار لحاجتي بأن أكون إلى جانب أسرتي في صور، لذلك تبدي استعدادها لمخاطبة الجهات الحكومية للحصول على وظيفة مناسبة، مثل مدرس في معهد التدريب المهني.

وفي الحالات الثلاثة كلها، عرضت الشركة التزامها بتقديم الدعم الصحي وتوفير كافة الاحتياجات الطبية!

الدكتور هارفي لم يستعجل الرد، بل نصحنا في الواقع بالتريث حتى نذهب إلى صور ونتشاور مع أسرتينا، وذلك كان رأيي أيضا. فاطمة، على أية حال، كانت أكثر حماسا، فحسمت الأمر قبلي.

كنت مترددا، فلم أكن أريدها أن تتسرع بقرارها قبل أن تتأكد ـ وبعد فترة من العيش معي ـ أن قناعتها بمواصلة الحياة معي ليست مجرد إحساس انفعالي يمليه الواجب وعاطفية مردها الحب والرابط الزوجي.

ليس فقط لم أشأ أن أفرض عليها الخيار فتركتها هي التي تقرر، بل حاولت أن أرسم لها صورة قاتمة لمستقبلها معي. قلت لها أن الحياة معي قد تبدو مقبولة الآن ويمكن التغلب على صعوباتها، ولكنها ستصير قاسية ومؤلمة في المستقبل، وأنا لا أريد أن نبلغ تلك النقطة التي يكون سبب الانفصال فيها استحالة العيش معاً وليس الاقتناع ومواجهة الحقيقة ـ التي كان يتعين إدراكها منذ البداية – وضعي الصحي الجديد الذي لا يسمح لي بالاحتفاظ بحياة زوجية.. لا سيما وأننا لم ننجب حتى يكون ذلك مبررا قويا للتضحية من جانبها.

والواقع أن هذا الموضوع شغل حيزا من تفكيري خلال الأيام الأخيرة قبل عودتي من بريطانيا، فقد ظننت أنها لن تتحمل العيش معي طويلا وأن علامات التذمر والتبرم سرعان ما ستظهر عليها. فطالما سألت نفسي: هل من حقي أن أطالب فاطمة أو حتى أفترض بقاءها معي؟ وكانت الممرضة "فال" دائما تجيب عن تساؤلي بسؤال: ماذا ستفعل أنت لو كانت هي من أصيب في الحادث؟ والحقيقة أني لم أستطع ـ وأعجز حتى الآن ـ عن الإجابة عن ذلك السؤال!

مر أسبوعان، ورغم قصر المدة صرت الآن في وضع افضل بكثير عما كنت عليه عند وصولي. وتعلمت فاطمة خلال هذه الفترة من الممرضة أساليب العناية بجرأة شديدة وسرعة وإتقان لا يوصفان. وبذلت قصارى جهدها ـ أفلحت ـ في معرفة كل ما هو ضروري عن وضعي الجسدي.

كنت انظر إليها وهي تراقب الممرضة وتستفسر عن بعض الجوانب المتعلقة بالعناية بي فأراها شعلة متقدة تعمل برغبة صادقة لاستيعاب كل ما تشاهده وتحاول إنجاز ما تقوم به على اكمل وجه.

أبلغت الشركة برغبتي في مواصلة عملي بها ، فعرضت علينا منزلا من المنازل الشاغرة والقريبة من المقر الرئيسي لها. وحسب رغبة فاطمة التي ذهبت لمعاينة المنازل وقع الاختيار على واحد منها وطلبنا من دائرة الخدمات صيانته وإعداده خلال وجودنا في صور التي قررنا الذهاب إليها وقضاء بعض الوقت مع الأهل قبل الاستقرار في مسقط.. الأمر الذي رحبت به الشركة.

لا شئ في صور يقلقني أكثر من لقاء أمي التي أعرف أنها ستتابعني بنظراتها الحزينة وحسرة قلبها في كل حركة أو زفرة تصدر مني. فمن الطبيعي أن تكون أيامي الأولي هناك مؤلمة على جميع أهلي، ولكن من المؤكد أيضا أن أيام حياتي كلها ستكون قاسية على أمي.

كنت أتوقع، عندما وصلنا إلى صور، أن أجد كثيرا من الأقارب في استقبالي بالمنزل، ولكن لم أجد أحدا لا خارج المنزل ولا داخله سوى والديّ.

ويبدو أن هناك من خطط لهذا الأمر أيضا وعمل على تنفيذه بغية تجنب إحراجي من نظرات أهلي الذين ربما يتوقعون أنني في حال أفضل مما أنا فيه.

اختلط الأمر على والدتي، فهي سعيدة بعودتي وحزينة بمشاهدتي وأنا على كرسي متحرك. لا أعلم بالضبط ماذا كانت تتوقع، ولكنها لم تستطع التحدث معي، بل أنها كانت تتحاشى النظر إلي.

بذلت جل جهدي للسيطرة على مشاعري وأنا أرى أمي تحدق في الأرض وتذرف الدموع، والجميع يحاول أن يبين لها الجانب الإيجابي الذي تمخضت عنه هذه المأساة. "احمدي الله على كل شئ. فهو أمامك بلحمه وشحمه .. يبتسم ويتكلم. لا تستقبلي ولدك بهذه الدموع، فهي لن تزيده سوى سؤ" هكذا كان والدي يتحدث إليها.

أما أنا فحاولت التقليل من توتري الذي أطلقته تلك النظرات المتفحصة.. المحتارة، والناطقة بألف سؤال وسؤال! وبينت لها وللجميع أني لم ولن أعترض على قدرة الله سبحانه وتعالي، فما حدث حدث وليس بوسع أحد أن يبدل من الأمر شيئا، ولكن باستطاعتي وبمساعدتهم أن أعيش بهذا الوضع هانئا بما قدر الله لي في هذه الحياة وأن أستفيد بما يتاح لي فيها بأفضل شكل ممكن، فلا خيار لي غير ذلك.

 أطبع الموضوع أرسل الموضوع لصديق

فهرس الموضوعات

المؤلف في سطور

نبذة عن الكتاب

توطئة الجزء الأول

مذاق الصبر

صور لم تبرح ذاكرتي

الكرسي المتحرك

عزومة على الشاي

اليأس والسأم

لم احسن الظن

التصالح مع الإعاقة

الانطباعات المقولبة

لست بطلا ولا اطلب بطولة!

هواجس

عزلة ليست من اختياري

معوًّقون لا معوقين

تكافؤ الفرص

ذوو الاحتياجات الخاصة

المعاشرة الزوجية

كيف يتحول مهندس فجأة إلى مترجم

السيارة

التبعات الصحية للإعاقة

توطئة (الجزء الثاني)

عوض

وطني الأكبر

عبق لا يزول من الذاكرة

الوجه الآخر للشمس

الشعلة التي أضاءت الصحراء

المدينة

الريحان والدخان

البرزة

تجليات الجنون

الشمروخ

ود مطر

الحرف والعصا

المقراع

دمعة

سوق المسباخ

سكة البنايين

صور

كلمة اخيرة


[   من نحن ? |  سياسة الخصوصية | منتدى أطفال الخليج (جديد) | الصفحة الرئيسية ]

خدمة الخلاصات تاريخ آخر تحديث: 1/4/2022

أطفال الخليج ذوي الإحتياجات الخاصة

جميع الحقوق محفوظة