السمع والتخاطب الصرع والتشنج الشلل الدماغي العوق الفكري التوحد وطيف التوحد متلازمة داون الصلب المشقوق وعيوب العامود الفقري
الاستشارات
الإعاقة دوت نت دليل الخليج لذوي الاحتياجات الخاصة مقالات مجلات ندوات وؤتمرات المكتبة العلمية

صحة الوليد - الأطفال حديثي
الولادة

صحة الطفل

أمراض الأطفال

المشاكل السلوكية

مشاكل النوم

الـربـو

الحساسية

أمراض الدم

التدخل المبـكـــر

الشفة الارنبية وشق الحنك

السكري لدى الأطفال

فرط الحركة وقلة النشاط

التبول الليلي اللاإرادي

صعوبات التعلم

العوق الحركي- الاعاقة الحركية

العوق البصري - الإعاقة البصرية

الدمج التربوي

المتلازمات

الإرشاد الأسري ونقل الخبر

امراض الروماتيزم

أمراض الغدد



اشتراك انسحاب


108750934 زائر
من 1 محرم 1425 هـ

البحث في الموقع
 

المكتبة العلمية
الاستشارات
اتصل بنا

سجل الزوار

مذاق الصبر

اليأس والسأم

الكاتب : محمد عيد العريمي

القراء : 5192

اليأس والسأم
وقعت فريسة للحيرة، وانتابتني حالة شديدة من الاكتئاب والقلق مردهما خوفي من مواجهة الحياة بعيدا عن عناية المستشفي

طغت على نفسي خلال هذه الفترة حالة من الضجر، واليأس وأصبحت سئماً لا أحفل بأي شيء ولا يعجبني العجب – حسب القول الشائع – رغم العناية الشخصية الفائقة التي حظيت بها من جانب موظفي المستشفى وممرضاته.. لا سيما البعض منهم الذين ربطتني بهم علاقات شخصية حميمة.

فمنهم الممرض بول الذي لم يكن عمله يتصل بخدمة المرضى مباشرة، لكنه كان يحرص على زيارتي كل صباح.. يفتح ستائر نوافذ الغرفة وهو يغني واحدة من تلك الأغاني الفلكلورية التي تحث على الاستيقاض والنشاط لاستقبال يوم جديد.

وذهب أبعد من ذلك! إذ أصر عندما طال شعر ذقني أن يتولى هو شخصياً، وبدون تكليف من المسئولين عنه، حلق ذقني كل يومين. ثم توثقت صداقتي به فكان يأتي لزيارتي خلال بعض عطل نهاية الأسبوع لاصطحابي إلى السوق أو لتناول وجبة طعام خارج المستشفي في أحد المطاعم بوسط المدينة.

والطباخ جيري، الذي كان يبذل قصارى جهده لإعداد بعض أصناف الأطعمة الخليجية إكراما لأغلبية نزلاء المستشفي إلا أن التوفيق كان يجافيه رغم محاولاته المستميتة. وكانت وجباته تخرج ممسوخة الطعم والشكل حتى عثر على كتاب للطبخ باللغة العربية فأحضره لي لاختيار بعض الوجبات المفضلة لدى العرب وترجمتها له، فنجح في تحضيرها أيما نجاح وجاءت ردود الفعل سريعة من المرضى الذين نقلوا إعجابهم بأصناف الأطعمة الجديدة لإدارة المستشفي. ومن يومها وجيري يخصني بأطباق لذيذة وطيبة من أفضل الأطعمة الإنجليزية التي يعدها خصيصا لإبراز موهبته في فن الطهي.

ثم الممرضة فال – وهي فال حسن بالتأكيد – صاحبة ابتسامة مشرقة ووجه صبوح يعكس، رغم سنواتها الأربعين، براءة طفولة. لن أزعم هنا أن لي تجربة واسعة في تفسير خصال البشر واستشفاف نفوسهم تؤهلني لإصدار أحكام قاطعة عليهم، لكن لا ادري لماذا شعرت أن قلب هذه الإنسانة لا يضمر ضغينة أو كرهاً ولا يحمل أحاسيس أخرى سوى الحب وأن يدها لا تمتد أبدا إلا لصنع الخير.

عرفتها في وقت كنت في أشد الحاجة لأحد مثلها.. شملتني برعايتها وعطفها، فكان شعورها الفياض ذلك يمدني بالسعادة وينتزعني من حالتي اليأس والسأم اللتين كنت أراوح بينهما. وكان لوجودها بجانبي دور كبير في الأيام التي سبقت سفري إلى عمان حين وقعت فريسة للحيرة، وانتابتني حالة شديدة من الاكتئاب والقلق مردهما خوفي من مواجهة الحياة بعيدا عن عناية المستشفي والتي سآتي على ذكرها لاحقاً.

زارتني في هذا الفترة سيدة كريمة أعرفها من سنوات الصغر وتفرقت بنا السبل في أيام الكبر. جاءت بصحبة زوجها – أو عريسها على الأصح – فلقد علما بوجودي في إنجلترا للعلاج وتجشما مشقة السفر من لندن حيث كانا يقضيان شهر العسل. كان وقع زيارتهما عليّ كبيرا.. لا سيما وأن حديثها الطيب عن أيام زمان أعاد لي بعض ذكريات الماضي الجميل. منها، أننا كنا نمضي فصل القيظ في منزلين متجاورين بمنطقة بلاد صور، وهي منطقة تكثر فيها مزارع النخيل فينتقل إليها سكان مدينتنا خلال فصل الصيف.

وبعد أيام من زيارتهما دخلت علي إحدى الممرضات بباقة ورد تشبه تلك التي أحضراها من قبل. وإذ أنني لم أكن أتوقع رؤيتهما مرة أخرى حيث سبق وعرفت منهما أنهما سيغادران لندن في اليوم التالي. سألت الممرضة عن مصدر باقة الورد، فأخبرتني أن الزوجين تركا معها مبلغاً من المال وطلبا إليها شراء ورد جديد كلما ذبل الورد في غرفتي حتى ينفد المبلغ. وهكذا ظلت حجرتي تفوح برائحة الورد.

"صدق أو لا" انه لا يزال يعيش بين ظهرانينا أناس بهذه الدرجة من الإحساس الإنساني المرهف! غمرني ذلك الموقف بفيض حنان ورسخ في نفسي الإيمان أن حياتنا ستظل تحتفظ بسمات الإنسانية مهما طغى عليها ضجيج الآلات ونفذ إلى زاوية من زواياها.. سنبقى بشراً وستبقى الأحاسيس اللغة السائدة بين الناس!

بعد مضي ثمانية أشهر على وجودي في المستشفى أصبحت في حالة لا يمكن إضافة المزيد عليها في أي جانب من جوانب العلاج سواءً الطبي أو الطبيعي أو التأهيل المهني. ففي الجانب الطبي لم يكن ثمة ما يمكن عمله لتحسين وضعي الصحي، وفي العلاج الطبيعي استنفدت المتخصصات في هذا النوع من العلاج كافة الوسائل لتدريبي وتأهيلي لاستخدام ما تبقى من عضلات جسمي بأفضل ما يمكن، ولكن مستوى إعاقتي كان حائلا دون تحقيق الكثير في هذا الجانب.

كان البدء بتعلم أشياء جديدة، أي التأقلم والتعايش مع متطلبات الإعاقة، يثير في نفسي الإحباط والتشويش في آن واحد، لكني بدأت مع مرور الوقت والتمرس تطوير وسائل تعينني على تجاوز تلك المعوقات.

أما التأهيل المهني والتثقيف الصحي فكنت أفضل حالاً فيهما لأسباب عدة، هما إجادتي للغة الإنجليزية التي كانت العامل المؤثر في تقدمي في هذا المجال. فنظراً لولعي بالقراءة والمطالعة استطعت أن أكون حصيلة من المعرفة من خلال قراءة كثير من الكتب والمجلات والدوريات المتخصصة بإصابات النخاع الشوكي والأمراض المترتبة عليها.

وبفضل ذلك تمكنت من الاستفادة إلى الحد الأقصى من طرائق العلاج التأهيلي الذي يعمل الطبيب والش على تطبيقها والتي تتركز أساسا على توعية المريض ببعض الحقائق الأساسية المتعلقة بطبيعة إصابته حتى يتسنى له معرفة إعاقته وتعريف أقاربه وأصدقائه بطبيعة حالته الصحية وتوضيح حدود قدراته وعجزه المصاحب للإصابة حتى يتسنى لهم التعامل معه وفقا لحالته الجسمية الجديدة، وليتسنى بالتالي اندماجه بعد تأهيله في المجتمع دون صعوبة.

كان هدف التأهيل هو المساعدة على "تصميم" أسلوب حياة مستقلة قدر الإمكان، لكن، وأخذاً في الاعتبار جسامة إعاقتي، لم أخدع نفسي وأتعلق بآمال واهية لتحقيق أكثر مما هو ممكن. وعندما أعلن الدكتور والش أن فترة علاجي أوشكت على الانتهاء خالجني شعور متناقض بالفرح والخوف: الفرح برؤية أهلي وزوجتي والخوف من غموض المستقبل الذي ينتظرني والعبء الثقيل الذي ستفرضه إعاقتي ووضعي الصحي عليهم.

ومع مرور الوقت واقتراب موعد عودتي إلى عمان كان توتري يزداد، وأصبحت فريسة للخوف، لكن عناية الممرضة فال بي ساهمت كثيراً في تخفيف مشاعر التوجس والاضطراب والقلق والاكتئاب التي سيطرت عليَ في تلك الفترة، فقد أخذت على عاتقها ـ وخارج ساعات الدوام الرسمي ـ تنظيم عدة زيارات لمجموعة من المعوقين يعيشون بين أسرهم أو في أماكن عملهم. ومنها زيارة لزوجين معوقين ـ الإعاقة جمعت بينهما ـ في العقد الخامس من عمريهما كان يعيشان في منزل مستقل ويعتمدان تماماً على نفسيهما في تدبير أمورهما المعيشية والمادية.

عادت تلك الزيارة علي بفائدة عظيمة، خاصة وأننا أمضينا وقتا طويلا معهما حيث استطعت التعرف على أسلوب معيشتهما اليومية. وكان الرجل كريماً جدا معي، فأخذني في جولة بالمنزل وأطلعني على تفاصيل دقيقة في حياته اليومية وطرائق خاصة أوجدها هو بنفسه لتسهيل متطلباته وحاجاته البدنية دون عناء كثير.

 أطبع الموضوع أرسل الموضوع لصديق

فهرس الموضوعات

المؤلف في سطور

نبذة عن الكتاب

توطئة الجزء الأول

مذاق الصبر

صور لم تبرح ذاكرتي

الكرسي المتحرك

عزومة على الشاي

اليأس والسأم

لم احسن الظن

التصالح مع الإعاقة

الانطباعات المقولبة

لست بطلا ولا اطلب بطولة!

هواجس

عزلة ليست من اختياري

معوًّقون لا معوقين

تكافؤ الفرص

ذوو الاحتياجات الخاصة

المعاشرة الزوجية

كيف يتحول مهندس فجأة إلى مترجم

السيارة

التبعات الصحية للإعاقة

توطئة (الجزء الثاني)

عوض

وطني الأكبر

عبق لا يزول من الذاكرة

الوجه الآخر للشمس

الشعلة التي أضاءت الصحراء

المدينة

الريحان والدخان

البرزة

تجليات الجنون

الشمروخ

ود مطر

الحرف والعصا

المقراع

دمعة

سوق المسباخ

سكة البنايين

صور

كلمة اخيرة


[   من نحن ? |  سياسة الخصوصية | منتدى أطفال الخليج (جديد) | الصفحة الرئيسية ]

خدمة الخلاصات تاريخ آخر تحديث: 1/4/2022

أطفال الخليج ذوي الإحتياجات الخاصة

جميع الحقوق محفوظة